TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > أيّ مستقبلٍ ينتظرنا؟

أيّ مستقبلٍ ينتظرنا؟

نشر في: 13 يناير, 2018: 06:01 م

عندما اقرأ وأترجم كتبا متخصصة بالثقافة وعلم المستقبليات والرواية العالمية تحديداً أنتبه إلى أن معظم اهتمامات كتابنا وساردينا وباحثينا تركزعلى استحضار خزين الذاكرة ومعطيات الماضي ويندر أن نجد لمحات عن رؤى تتعلق بمستقبلنا الانساني.
شغلني هذا الأمر طويلاً وأعادتني إليه قراءتي بداية عامنا الجديد ( 2018 ) لكتاب ممتع حرّره البروفسور الفيزيائي العراقي جيم الخليلي ، بعنوان ( ماذا بعدُ ؟ : ماذا يمكن للعلم أن يخبرنا بشأن مستقبلنا المدهش ) .صدر الكتاب في شهر تشرين أول ( أكتوبر ) 2016 وضمّ مساهمات لنخبة متميزة من العلماء والمهندسين والخبراء ذوي الرؤية العالمية في حقول معرفية محددة تخص عالمنا ، وتميز هؤلاء المساهمين خصيصة أصبحت علامة فارقة للمشتغلين في الحقول المعرفية العلمية والتقنية والانسانية - تلك هي ميزة شغف البحث في تخوم المعرفة ، ومحاولة التعشيق الحيوي بين تلك الحقول المعرفية بصيغة دراسات بينية متداخلة interdisciplinary ، إضافة لاهتمامهم الشامل بمستقبل النوع البشري والبيئة الحيوية التي تعيش فيها الكائنات الحية ضمن علم المستقبليات Futurology الذي شهد - ولايزال يشهد في يومنا هذا - قفزات كبيرة من التقدم الهائل .
وأذكر انني قرأت في التسعينيات كتاباً بعنوان ( صور المستقبل العربيّ ) أسهم في كتابته أربعةٌ من المتخصصين العرب في حقل الدراسات المستقبلية والتنمية التقنية والإقتصادية ، وترك الكتاب في نفسي أثراً عظيما لايمكن تجاوزه ؛ إذ كان العمل الأوّل الذي رأيت فيه توظيفاً دقيقاً لما يسمّى بأدوات التحليل الكمّي واستقصاء المتغيرات المتحكمة بالنشاطات البشرية في شتى حقول النشاط الإقتصاديّ ، ولأهمية الكتاب ظهرت نسخة منه باللغة الإنكليزية ؛ مما يشير بوضوح إلى أن المؤلفين سعوا لمخاطبة العقل الإنساني والعقل العربيّ سواء بسواء ، ومنذ قراءتي لذلك الكتاب بدأت أتابع حقل الدراسات المستقبلية بشغف القارئة وفضول الروائية وتنقيباتها .
هناك كما يعلم المتخصصون بعلم المستقبليات ، الكثير من الدراسات المستقبلية الحديثة ، وقد تُرجِم بعضها إلى العربية ، ولم أنس كتابا قرأته بعنوان ( العالم بعد مائتي عام ) من سلسلة كتاب عالم المعرفة في ثمانينيات القرن الماضي وهو من الكتب الاستثنائية التي قدمت رؤى إستشرافية مثيرة بشأن أحوال عالمنا المستقبلي ، ومثله أيضاً كتاب ( عالمنا المشترك ) الصادر عن السلسلة ذاتها وهو من منشورات منظمة الأمم المتحدة للبيئة ويركّز - كما يفصح عنوانه - على الجوانب البيئية المرتبطة بالنشاطات البشرية وتأثيرها المتوقّع على كوكب الأرض في العقود القادمة .
ثمة أمر تعنى به الدراسات المستقبلية يختصّ بإقتصاد المعرفة وضرورة تخصيص نسبة مالية محترمة من الإنفاق الحكوميّ العام للنهوض بهذا الجانب التعليمي الذي يعوّل عليه في تطوير كفاءات بشرية تجيد التعامل مع الفعاليات التقنية - الاقتصادية المستقبلية التي ستحمل لواء البشرية في الفتوحات المعرفية الخلاقة عندما لاتكون هناك حكومة تعتمد الفوائض الريعية في الإنفاق على مجالات توظيف غير منتجة.
لقد خسرنا الكثير من فرص الحاضر ولم يبقَ لنا الكثير لنخسره في سياق سباق عالميّ مستقبلي لامكان فيه للمتخاذلين أو المنكفئين أو المرتكنين على أنساق متهالكة عتيقة ثبت عجزها وبطلانها .
ولايبدو غريباً على واقعنا المنشغل بسياقات الماضي – حياة وثقافة وفعاليات - ندرة الكتب التي تتناول الدراسات المستقبلية في منطقتنا العربية ؛ وربّما يكون كتاب البروفسور الخليلي - وبضعة كتب أخرى معه – دفقة ضوء في ظلمة واقعنا الراكد تقودنا نحو آفاق مستقبلية لاأحد يمتلك القدرة على معرفة مآلاتها.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق منارات

الأكثر قراءة

هل ستعيد التشكيلة الوزارية الجديدة بناء التعليم العالي في العراق؟

العمود الثامن: ماذا يريدون؟

العمود الثامن: من كاكا عصمت إلى كاكا برهم

العمود الثامن: معركة كرسي رئيس الوزراء!!

العمود الثامن: عبد الوهاب الساعدي.. حكاية عراقية

العمود الثامن: صنع في العراق

 علي حسين اخبرنا الشيخ همام حمودي" مشكورا " ان العراقي يعيش حاله من الرفاهيه يلبس أرقى الملابس وعنده نقال ايفون وراتبه جيد جدآ ، فماذا يحتاج بعد كل هذه الرفاهية. وجميل أن تتزامن...
علي حسين

قناطر: في البصرة.. هذا الكعك من ذاك العجين

طالب عبد العزيز كل ما تتعرض له الحياة السياسية من هزات في العراق نتيجة حتمية لعملية خاطئة، لم تبن على وفق برامج وخطط العمل السياسي؛ بمفهومه المتعارف عليه في الدول الديمقراطية، كقواعد وأسس علمية....
طالب عبد العزيز

تشكيل الحكومة العراقية الجديدة.. من يكون رئيس الوزراء؟

إياد العنبر يخبرنا التراث الفكري الإسلامي بأن التنظير للسلطة السياسية يبدأ بسؤال مَن يحكم؟ وليس كيف يحكم؟ ولعلَّ تفسير ذلك يعود لسؤالٍ مأزومٍ في الفقه السياسي الإسلامي، إذ نجد أن مقالات الإسلاميين تبدأ بمناقشة...
اياد العنبر

هل الكاتب مرآةً كاشفة للحقيقة؟

عبد الكريم البليخ لم يكن الكاتب، في جوهره، مجرد ناسخ أو راوٍ، بل كان شاهداً. الشاهد على لحظةٍ تاريخية، على مأساةٍ إنسانية، على حلمٍ جماعي، وعلى جرحٍ فردي. والكاتب الحقيقي، عبر العصور، هو ذاك...
عبد الكريم البليخ
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram