قبل أيام نفى رئيس الوزراء حيدر العبادي إعادة النازحين بشكل قسري الى مناطقهم لغرض اجراء الانتخابات في موعدها المحدد، لكن الواقع يقول انهم عادوا ويعودون يوميا الى مناطقهم سواءً كان الأمر قسريا ام لا، فهم يحلمون بالعودة على الرغم مما ينتظرهم من نقص في الخدمات وحرمان من أبسط اسباب المعيشة وأهمها السقف الآمن..
في بعض قرى حزام بغداد، استعاد النازحون الذين عادوا منذ اشهر حياتهم بسرعة فرمموا منازلهم وبدأوا يزرعون اراضيهم والتحق أولادهم بمدارس بائسة بعضها عبارة عن كرفانات بينما زاول بعض منهم مهناً أخرى كالسياقة والمتاجرة بالفواكه والخضر وماشابه ذلك..بين هؤلاء كان الشاب (ياسر) الذي يعيل عدة أسر بعد استشهاد اشقائه في حوادث العنف الطائفي قبل سنوات والذي استعاد عمله كسائق شاحنة وعاد ليسكن مع اسرته كبيرة العدد في منزل لم يتبق منه غير السقف والجدران فلاأثاث يستره ولا نوافذ تحمي سكانه من الحروالبرد..
لقد طوى ياسر صفحة قاسية من حياته كان ضحيتها اشقاءه ليبدأ من جديد ولم يكن يدرك ان عودة النازحين لاتعني استقرار المناطق وعودة الأمان اليها بقدر ماتعني العيش تحت تهديد من نوع آخر، فقد تعرض العديد من النازحين الى مساومات من جماعات أمنية اختارت أن تقدم للنازح فرصة حياة جديدة مقابل دفع مبلغ معين من المال أو يتم القبض عليه كمشارك في الارهاب مايعني سكوتهم عن الارهابيين إن كانوا واثقين من تورطهم فيه أو الصاقهم تهمة خطيرة بأبرياء للحصول على المال وهم في الحالتين يعبرون عن أقصى درجات الفساد..التهديد الآخر الذي يعيش تحته النازحون هو المداهمات التي تقوم بها الاستخبارات العسكرية فهي تقصد منازلهم للقبض على هدف معين للتحقيق بشأن تورطه في الارهاب لكن ماحدث قبل أيام في احدى قرى حزام بغداد إن رجال الاستخبارات لم يكتفوا بالقبض على الهدف الذي خرجوا من أجله بل أمطروا القرية بوابل من الرصاص العشوائي في الوقت الذي عاش فيه الاهالي أعلى درجات الهلع، وهكذا سقط (ياسر) ضحية لرصاصة عشوائية بينما كان يحاول طمأنة أولاده وابناء اشقائه الصغار..وحتى هذه اللحظة، لم يدرك أي من أهله السبب الذي قتل ياسر من أجله فلم يكن من المطلوبين للعدالة ولم يكن هنالك أي سبب لاطلاق الرصاص على السكان وترويعهم..لقد ضاع دمه كما ضاعت دماء أشقائه من قبل لكن العنف الطائفي الذي كانوا ضحايا له انتهى بسيطرة القوات الأمنية وفرض القانون كما يفترض، كيف اذن يضيع دم نازح بريء بوجود القوات الأمنية؟..من سيدفع ديته ويعيل أسرته وأسر اشقائه؟..وهل ستتم محاسبة المسؤول عن قتله؟...
حتى هذه اللحظة أيضاً، مازال المسؤولون منشغلون بترتيب أوراقهم الانتخابية ومازالوا يطالبون بعودة النازحين الى مناطقهم ان لم يرغمونهم على ذلك للحصول على أصواتهم..كيف سيمكن تحقيق ذلك والنازح الآن يعيش تحت تهديد المساومات والمداهمات والقتل العشوائي؟!..وكم (ياسر) سيضيع دمه وسط هذه المهزلة؟...لاغرابة في الأمر فكلنا يعلم ان أرخص بضاعة لدينا حاليا هي..الدم العراقي..
من قتل (ياسر)؟
[post-views]
نشر في: 12 يناير, 2018: 05:42 م