شهدت المناهج الدراسية للمرحلة الابتدائية تغييراً ملحوظاً في مفردات هذه المناهج، فأصبحنا نرى استحداثاً لمواد غير مألوفة بالنسبة لنا وبالنسبة لتلاميذ هذه المراحل، وهذا التغيير الذي اندرج في سياق العمل قد أحدث نقلة معرفية في المستويين الذهني والعلمي بالنسبة للتلاميذ، وهذا لم يكن موفقاً من وجهة نظر العديد من أولياء أمورهم، مشيرين إلى أن هذه المواد التي هي على درجة عالية من الصعوبة والتعقيد، لاتنسجم مع المستوى العلمي والإدراكي لأبناء لا تتجاوز أعمارهم الـ (10) سنوات، حيث أنها وفي الوقت الذي أريد لها أن تكون خطوة معرفية أولى في طريق العلم والتميّز، أصبحت عقبة كبيرة في ذلك الطريق .
مناهج الابتدائية تدميرية وليست تعليمية
وفي معرض الإشارة إلى الأبعاد السلبية لهذه التجربة غير المدروسة، على حدّ تعبيرهم، يتجلى التأثير السلبي على الصعيد النفسي، بالنسبة للتلميذ، فعدم مقدرته على فهم هذه المواد المستحدثة، قد يخلق في داخله حالة من الكراهية للكتاب والمعلم والمدرسة عموماً، وهذا ماقد يدفع به إلى التمرد والتسرب، عوضاً عن الصعوبات التي سيواجهها أولياء الأمور في متابعة أبنائهم وكذلك صعوبة إيصال المنهج من قبل المعلم أيضاً، معتبرين أن هذه المناهج التي استحدثتها وزارة التربية، كان يجب أن تكون في مرحلة علمية متقدمة لا في بداية الطريق.
هذا وقد قامت وزارة التربية خلال السنوات القليلة الماضية، بأحداث تغيير كبير واستحداث مواد صعبة ومعقدة في المراحل الابتدائية، بحجة مواكبة التطور الحاصل في دول العالم، متجاهلة الوضع السيئ الذي يمر به البلد، متناسية أنه ولأجل بناء جيل متعلم ومتفوق ينهض ببلده، لابد من تنشئة الأطفال في هذه المرحلة وتحويلهم إلى قادة منذ الصغر، وغرس السلوكيات السليمة للتطور والعلم. آراء أولياء الأمور كانت بمجملها ضدّ تحديث المناهج الدراسية، بهذا الشكل إذ تقول المواطنة سهاد محسن (ربة بيت) والدة طالبتين لـ(المدى): مناهج المرحلة الابتدائية الجديدة تدميرية وليست كما اعتدناها، متابعة: وهي بحاجة إلى تغيير جذري لأنها لا تتناسب ومرحلة الطلاب العمرية، وقدراتهم الذهنية والاستيعابية بهذا العمر، إذ يواجه أولياء أمور صعوبة في إيصال المادة العلمية للطفل، مضيفة: المناهج القديمة كانت سلسة محبّبة للطالب وقد تخرج من خلالها، فلماذا هذا التعقيد في تحديث المناهج؟.
التحديث يتسبّب بالتسرب من المدارس
أما محمد حسن (موظف) فقد وصف المناهج بأنها الأسوأ في تاريخ العملية التربوية، متابعاً: والذي يبدو أن هناك غاية إفشال الدراسة في العراق، من خلال قتل الرغبة لدى التلاميذ في حب الدراسة. مشدداً: والأدهى من ذلك، أن أغلب المعلمين يواجهون صعوبة في فهم هذه المناهج، وكذلك صعوبة في إيصال المادة العلمية للطالب.
ويتابع حسن: لقد تم تغيير المناهج دون دراسة مستفيضة، فضلاً عن قيام وزارة التربية بفتح دورات تدريبية للمعلمين على هذه المناهج خلال فترة دوام المعلم في المدرسة، ولمدة ثلاثة أيام، متسائلاً: عن جدوى تلك الدورات في المدة القصيرة وأثناء أوقات الدراسة التي يفترض أن يتفرغ المعلم للطلبة وتدريسهم وليس للتدريب على كيفية تدريسهم؟.
في حين ذكر عادل جواد، والد ثلاثة أطفال في المرحلة الابتدائية لـ( المدى): أن المواضيع التي تُدّرس الآن في المرحلة الابتدائية قد درسناها سابقاً بشكل أكثر بساطة في المرحلة المتوسطة، مضيفاً: والمفترض أن لايكون هناك منهج للمرحلة الابتدائية، وإنما فقط خطوط عريضة، متسائلاً: كيف لطالب في المرحلة الأولى ابتدائي دراسة العلوم الحديثة واللغات الأجنبية في آن واحد.
آراء المعلمين لم تكن بعيدة عن آراء أولياء الأمور في ما يخص تحديث المناهج الدراسية والتعقيد الذي شاب العديد من المواد الجديدة. هدى محمد معلمة في إحدى مدارس العاصمة بغداد، ذكرت لـ(المدى) أن جميع مناهج المرحلة الابتدائية لاتتناسب والمرحلة العمرية للتلاميذ، وتأتي بنتائج سلبية، كزرع الخوف في نفوس الطلاب، مسترسلة: بالإضافة إلى تسربهم من المدارس جراء صعوبة ايصال المادة والخشية من العقوبة. مشددة: أنا شخصياً أواجه صعوبة بتوصيل المادة العلمية للطلاب، وبخاصة مادتي العلوم والرياضيات، مناشدة: وزارة التربية، النظر بهذه المناهج وإعادة العمل بالمناهج السابقة.
المعلمون يفتعلون الصعوبة
بهذا الشأن تقول المتحدثة باسم وزارة التربية سلامة الحسن، في حديث لـ(المدى) إن: موضوع تأليف المناهج قد أعدّ من قبل مختصين أكفاء ذوي شأن وباع طويل في مجال التأليف، بالإضافة الى إدخال الكادر التعليمي أيضاً في هذه المهمة، باعتبارهم الأقرب إلى طلبتنا. مضيفة: أن مايُثار في الفترة الأخيرة بخصوص صعوبة المناهج الدراسية وعدم تقبّلها من قبل الطلاب، في الحقيقة هذه المناهج لاتوجد بها أيّ صعوبة وأيّ تعقيد، وهي تواكب التطور الحاصل في التكنولوجيا. متابعة: أن هذا التطور هو تطور سريع ومستمر، ويجب أن يواكب مناهجنا الدراسية .
وتوضّح الحسن: أن الصعوبة في هذه المناهج يفتعلها المعلمون أنفسهم وكذلك أولياء الأمور، فهم لايستطيعون تقبّل هذا التغيير، مؤكدة: أن العقل العراقي عقل نيّر وواعٍ وكبير، وهذا مشهود له سواء على مستوى المسابقات الدولية والعالمية، ولابد أن يتقبل هذا التغيير للنهوض بالعملية التربوية نحو الأفضل.
وتابعت المتحدثة باسم وزارة التربية: إن العالم يشهد اليوم ثورة كبيرة في مجال التكنولوجيا، وسابقاً كنا نطلق مفردة الأمّي على من لايقرأ ولايكتب، أما الآن فالأميّة هي من لم يطلع على التكنولوجيا الحديثة والجديدة في العالم، فالمعلومات يجب أن تتطور. متسائلة: فلماذا لايتقبلون هذا التطوير، فالعالم كتابٌ رحب لابد أن نطّلع على كل ماموجود فيه. موضحة: أن السنوات السابقة قد حقّقت نسب نجاح كبيرة، وكذلك نسبة عالية من المتميزين، وهذا دليل واضح على مقبولية المناهج الدراسية للطلاب، وتبقى إمكانية وكفاءة المعلم ومهارته مهمة في كيفية استقطاب الطالب والتفاعل معه، بخلق جو تربوي سليم، يستطيع الطالب من خلاله تقبّل المعلومة .
كما وبيّنت الحسن أن: هنالك دورات تدريبية وتطويرية للمعلمين والمدرسين، يتم ادخالهم من خلالها، بتزويدهم بمفردات المنهج المستحدث، وهذه الحلقات مستمرة مع المشرف التربوي المتخصص في هذه المواد. مستطردة: لا يوجد هناك تغيير في المناهج خلال العام المقبل، والحقيقة أن التغيير يتم كل 5 سنوات، إن اقتضت الضرورة، كوجود نظرية جديدة في العالم، أو وجود نهر قد تغيّر مجراه، والحقيقة أن وزارة التربية متهمة بتغيير المناهج سنوياً، وهذا غير صحيح، فليس هناك تغيير وإنما فقط طبع للمناهج.
لكنَّ لجنة التربية النيابية انتقدت "صعوبة" المناهج الدراسية للمرحلة الابتدائية. وقال عضو اللجنة رياض غالي في بيان له، إن المناهج الدراسية لطلبة المرحلة الابتدائية لا تتناسب مع عقلية الطالب، مبيناً أن تلك المناهج تم تأليفها من قبل أشخاص غير متخصصين. مضيفاً: بعد ورود عدد من الشكاوى بخصوص صعوبة المناهج التي تُدرّس في المرحلة الابتدائية وبخاصة الرابع والخامس الابتدائي، تم الاطلاع على تلك المناهج وتبيّن أنها لا تتناسب مع القدرة العقلية للتلاميذ. وأشار غالي الى، أن تلك المناهج التي تُدرّس في المرحلة الإبتدائية يتم تجميعها بطريقة غير تخصصية لا تتناسب مع عقل الطالب. كاشفاً: عن أن تأليف الكتاب الواحد يكلّف الدولة 7 ملايين دينار وتدقيقه يكلف 7 ملايين دينار، حيث أن العام السابق شهد تأليف وتدقيق 154 كتاباً وفي هذه السنة 169 كتاباً.
مناهج بعيدة عن بيئة الطفولة
من جانبه يقول أستاذ علم النفس، يوسف الموسوي في حديث لـ( المدى): يعد التغيير الحاصل في المنهج للمرحلة الابتدائية، إضافة جديدة في طريقة إعاقة العملية التربوية للطالب، وقد تمت صياغتها بعيداً عن المنهجية العلمية، وعلى عقول للأسف، بعيدة عن البيئة العراقية، التي لا تتوافر بها سبل النجاح، مضيفاً: حيث كان يتطلب لذلك توفير دراسات علمية رصينة، تحدد الواقع التربوي وبمشاركة مختصين من جميع المحافظات العراقية، موضحاً: أن الطفل اليوم وفي ظل التحديات والمؤثرات الخارجية، من الصعوبة مواجهته بمادة علمية تعتمد عليه بشكل تام، وهنا تبرز لنا الاضطرابات السلوكية والقلق والملل من الصف الدراسي والمعلم أيضاً، وكذلك من طول المادة العلمية، عندها يكون التلميذ قد فشل في دراسته. وأضاف الموسوي: أن صعوبة هذه المناهج لا تقتصر على الطالب فقط، وإنما حتى على المعلم وولي الأمر ، مما يجعل الطالب، في مزاج عصبي يولد الكره للمادة الدراسية وللمعلم أيضاً. متابعاً: إن القواعد المهمة في بناء العملية التربوية تعتمد على ثلاث ركائز، المعلم والتلميذ والصف الدراسي، مشدداً: نحتاج إلى بناء المعلم حسب التطور الحاصل في المناهج، بالإضافة إلى توفير البيئة الملائمة، من حيث المقاعد الدراسية والوسائل المهمة للتلاميذ داخل الصف، وكذلك ضرورة توفير الأنشطة الصفية للتلاميذ، من خلال إضفاء بعض التغييرات على الطريقة التعليمية، وكذلك زرع روح المنافسة بين الطلاب .
ويوضح أستاذ علم النفس، أن: من المفترض أن يتطابق المنهج مع دول العالم، ولكن الظروف التي يمر بها البلد وانعدام الخدمات، تحتم علينا الهدوء والبدء بخطوات مدروسة، وليست على مزاجيات البعض، وهذا يسبّب بالتالي خيبة أمل في التواصل مع المادة وفقدان السيطرة من قبل المعلم في إقناع التلميذ بالدراسة. مبيناً: ان واجب وزارة التربية هو تشكيل خلية مهمتها دراسة الواقع وتحديد المتطلبات التي من شأنها أن تطوّر من إدراك وفهم الطالب، وأن يتم إعداد المناهج الدراسية وفق دراسة مستفيضة .
طرق تعليم مبسّطة
عدد من الأمهات قمن بإنشاء كروب على مواقع التواصل الاجتماعي "الفيسبوك" وتبادل الآراء في كيفية تدريس أبنائهن كتب الدراسة الابتدائية، لكنهن عجزن عن ايجاد حلول وطرق تدريس للعديد من المواضيع التي يبدو أنها تصعب عليهن، إن كان بسبب المستوى الدراسي لبعضهن أو بسبب صعوبة المنهاج المقر لهذه الدراسة.
بيداء والي، إحدى عضوات "الكروب" وهي خريجة جامعية، لكنها لم تجد فرصة للتعيين، تبيّن لـ(المدى): حين تمت إضافتي الى "الكروب" من شقيقتي كي أساعدها وأساعد بقية الأمهات في حل بعض المسائل الرياضية. مستدركة: لكني وجدت صعوبة في إيصال الحلول وطريقة الحل لصعوبة بعض المسائل في الكتاب. موضحة: أن العديد من طروحات الكتاب، سبق وأن درسناها في المتوسطة، فكيف تتحول الى الابتدائية وبهذه الصعوبة والتعقيد غير المبرر. أما سجى رحيم، والدة طالبة في الصف الخامس الابتدائي، فقد أبدت تذمّرها من صعوبة المناهج الدراسية وطريقة حل العديد من المسائل الحسابية وبعض الدروس العلمية في كتاب العلوم. مسترسلة: في السابق حتى أمهاتنا بمستواهن الدراسي الأولي البسيط كن يدرسن بشكل سهل ومنساب. متسائلة، عن سبب هذه الصعوبة في ظل الظروف الصعبة التي تعيشها العائلة العراقية.
وتعقيباً على حديث المتحدثة باسم وزارة التربية، ذكرت إحدى عضوات "الكروب" ميعاد نوري، إذا كانت وزارة التربية تراهن على العقول العراقية، فلماذا تتلكأ في بناء المدارس وتوزيع الكتب والقرطاسية؟، مستطردة: فمثل هكذا عقول، تحتاج لكثير من المستلزمات لأجل مواكبة العصر الذي أشارت إليه المتحدثة. مؤكدة على ضرورة إعادة النظر بعدد من الدروس في الكتب العلمية التي لاتتلاءم وعقلية الطلاب والظروف التي تمر بها عوائلهم.فيما ركّزت غيداء كاظم من عضوات "الكروب" على أهمية أن تجد وزارة التربية طرق تدريس حديثة ومبسّطة لإيصال المادة. لافتة الى أن أغلب معلمي المدارس لم يدخلوا دورات تتعلق بطرق التعليم وتحديثها، فضلاً عن جهل الكثير منهم بالمناهج الحديثة التي وزّعت على الطلبة، مثلما ذكرت ابنتي ذلك. متابعة أن معلمة درس العلوم، لم تتمكن من إيصال المادة العلمية في الكتاب لصعوبتها.