TOP

جريدة المدى > عام > التشكيل والرؤى الفلسفية.. في أوثان عادل كامل

التشكيل والرؤى الفلسفية.. في أوثان عادل كامل

نشر في: 7 يناير, 2018: 12:01 ص

لا أجد التركيز على البنية الفلسفية وبالتحديد الصوفية سوى في كتابه ( الأوثان )الشعري المبني، والرؤيوي ، التصوف للفنان ( عادل كامل ذي الدوافع العميقة لرؤى التشكيل ، عبر ممارسة رسم اللوحة ونقدها. والوثن هنا يبدو استخداما ً مجازيا ً لتأكيد بنية الأفكار والشواهد ذات الفيض الفكري.

 

 

 

فهو لم يكن ضمن سياق الفصول الحاوية على التأملات الذاتية جامدا ً ، بقدر ما هو حاوٍ لبنية تحرّك . بمعنى ؛ الوثن هنا هو اشتقاق من طبيعة المدوّنة الأولى التي اتخذت من الطين والماء تشكيلاتها الأولى . ولما كان هذا التشكيل مرافقاً وموافقاً لنظريات التشكيل في الحراك الميثولوجي بصورة عامة ، وبالأسطورة بشكل خاص ، نرى أن تأثير نظرية الخلق البابلي ( أنوماليش ) أكثر تأثيرا ً في ذلك . فالصياغة أتت على النتائج من اتحاد الآبسو وتيمات لتشكيل وحدة خلق وما رافقها من تشكيلات أخرى شكّلت صيرورة الوجود . لذا أرى أن الوثن هنا اشتقاق طيني مائي مطلق ، يرتبط بكل حيوات الفكر ولا يختصر على نمط دون آخر . ومن هذا أيضا ً أجد إن الرؤى الصوفية لـ ( عادل كامل ) هنا متأتية من طبيعة هذا التشكّل الذي يراه على أوسع الرؤى كما ذكر ( النفّري ) لذا انبسطت العبارة بانثيالاتها كما لو أنها نهر كانت مياهه محتبسة لزمن طويل . فلا النهر و تجميعه لكتل المياه ، ولا عادل توقف عن تجميع ما باستطاعته التجميع وهو بصدد ممارسة الإنتاج في حقول الإبداع الكثيرة ، بل هي الحقيقة الصوفية المطلقة.
من هذا أرى أن ( أوثانه ) مجسّات لخلق العبارة التي تمتلك فيوضاً خالقا ً للمعنى العرفاني . فهو بذلك يتوسط المحراب في نقطة مركزية ، هي حصيلة لتجربة طويلة وكبيرة . ولأنه عرف الطريق فسلكه ، فمن حقه كما يرى أن يكون داعية لحقيقة ما رأى واكتشف عبر رؤاه . بمعنى حقق عبارة ( النفّري ) معكوسة فقال : ( أنا أم الوثن أنار للآخر مسالك هذا الابتداء ؟ ) ولعله بهذه لعبارة قد مزج بين مستويين من قوة الرؤى وتأثيرها . فسؤاله ــ أنا أم الوثن ــ دال على الامتزاج ، أي لا انفصال بين الاثنين فهو الأنا وهو الوثن . ولا فرق هنا في هذا الفيض أن يكون من أي طرف يصدر . المهم إن الذات متعلقة بالقوة المعنوية الصوفية ، والمهم أكثر الفيض من النور لا المسبب . وهذا هو المتحقق الصوفي . وهو القريب من قول ( أبي منصور الحلاج في ( إني أرى الله ، أو الله في جبتي ) وهو قصد لم يدركه ذوي السلطة ، بل ذهب أدراج الرياح كما اعتقدوا غافلين عن صفاء الرؤى والرؤيا التي بقت محلّقة في طيات التاريخ ، سواء كانت هذه الرؤى صوفية أو مادية وضعية . فالهدف العام هو ما يُحدد شرعيتها في الوجود.
نجده يؤكد أيضا ً بعبارة أكثر تركيزا ً على مثل هذه الرؤى ، لكنها توضح الطبيعة أو الكينونة بقوله : (فوق الموجة الأسماء تتلاشى .. أحيانا ً .. تتكون ) ولنتأمل في هذه العبارة القصيرة والمركّزة في آن واحد . فتلاشي الأسماء تعني نكران الذات ، وهي صفة الصوفي الذي يُمحي الذات ويُبقي الأثر للآخرين ، فتتلاشى تعني تختفي أو تضمر ، ولكن ليس على حساب المعنى . للمعنى البقاء وللإنسان الفناء . وتلك سيرة وسر الوجود . أما ــ أحيانا ً تتكوّن ــ ففيها الجدلية متمكنة من قدرتها وتواليها في تأكيد الحقيقة . فالفناء الذي أشرنا إليه لا يعني فناء الكل ، فهو باق ، إذ يتجدد في هذا الجزء أو ذاك ، فالوجود لم يتوقف في فناء ( الحلاج ) بل واصل حراكه وتناميه في وجود غيرة ممن لهم رؤى متجددة . وأرى أن في هذا أيضا ً تأكيد من ( عادل ) على مواصلة العطاء في الوجود . لقد انفتحت المجالات كثيراً في تداعيات المتأمِل ( عادل كامل ) في سعة الوجود . لكنه وضمن وجوده المقتصر يُدرك إن لا اتساع في الرؤى بدون العمل على تركيز التأمل والزيادة فيه . بمعنى لابد من امتلاك الزمن في عزلة الكرستال التي تفتح الأبواب ولعل عبارة : ( يأتون من البعيد .. يا للكهف .. ثم باستدراك الهواء يرجعون : يا من لم تولد .. إن عويل قبرك أقل فرحا ً من رحيلي ) ولعل هذا ينطوي على مساءلة واسعة ومكينة في مجال الصيرورة التي لا تتوقف في ــ يأتون ــ ومن البعيد أي من التاريخ وــ يا للكهف ــ أراها مرتبطة بالواقع ، أي بالمُحدد والمحدود لأنها أساسا ً تنفتح باستكمال العبارة في ــ يرجعون ــ والدليل الآخر ما تنطوي عليه بقية العبارة من جدلية الفناء والانبعاث في ــ عويل قبرك ــ وــ فرحا ً ــ و ــ رحيلي ــ . هذه المفردات المركّزة هي ما أشار إليها ( النفّري ) والمراوحة بين سعة الرؤيا والعبارة . و( عادل ) يحاول اتخاذ ناصية الرؤى الصوفية ليحدد كيف تتسع العبارة ، وكيف تتركز في آن واحد . لأنه أساسا معنيّ بالحكمة من كل هذا الحراك الذهني التأملي ، لاسيّما في عبارته اللاحقة ( ليس للحكمة باب . يا أيتها النفس اخرجي ، فالمدينة خالية من حرس الليل . لا ملائكة ، لا ياقوت في المدى . جبل يلملم لصوص القلب . فالعاشق استوي على عرش حصاة ، وأنا عند السماء . كفت روحي الشكوى ، يا أيتها النفس اخرجي فالآتون ظرفاء ، لا أمير خير من أمير ، فالظلام حشرنا / جميعا ً / فرّقنا في حبة رمل).

 

 

مشهد وداع لعادل كامل
صادق الصائغ

وَجْهٌ شَاحِبْ
كحُطَام سَفيْنَة
يَسْتَلِم للِمصبَاحِ وَلِلمِشْرَط
وَينوءْ كموْجة
لا تَسْتَطِيع الإفْلاتْ

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

الكشف عن الأسباب والمصائر الغريبة للكاتبات

موسيقى الاحد: عميدة الموسيقيين

النقد الأدبي من النص إلى الشاشة

صورة الحياة وتحديات الكتابة من منظور راينر ماريا ريلكه

النوبة الفنيّة أو متلازمة ستاندال

مقالات ذات صلة

علاقة الوعي بالمعنى والغاية في حياتنا
عام

علاقة الوعي بالمعنى والغاية في حياتنا

ماكس تِغمارك* ترجمة وتقديم: لطفية الدليمي بين كلّ الكلمات التي أعرفُها ليس منْ كلمة واحدة لها القدرة على جعل الزبد يرغو على أفواه زملائي المستثارين بمشاعر متضاربة مثل الكلمة التي أنا على وشك التفوّه...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram