حكايات شعبية من الذاكرة الكامنة في بساطة الحياة، في مدينة السويداء، 44 حكاية، تتراوح بين اللهجة المحكية والفصحى، بالإضافة إلى مفردات لا تستخدم إلا في الذاكرة الشعبية لمدينة السويداء في سوريا، بما تناسب طريقة السعي للحصول على لقمة المعيشة، ضمن فقر مدقع، وحياة تليق بالإنسان الذي يعرف كيف يحب وكيف يصمت، وكيف يعيش، وكيف يحترم انسانيته من خلال احترام الآخرين، برغم الفقر، دون فوضى الحياة التي تأسر البشر الآن.
حكايا من الثمانينيات وما قبل، منذ زمن الآباء والأجداد، وزمن طفولتي أيضاً، يقف القارئ أمامها ويضحك على نفسه. ما كان يرهق في الأمس، هو الآن ذكرى سعيدة عابرة، ولم نكن واعين لها آنذاك. في كل قصة قصيرة، ضمن 145 صفحة، إما تضحك وتنفجر بصوت عالٍ، مخبئاً وجهك بيدك التي تفتقد إلى راحة البال في زمن يسوده العفوية التي تجعل المرء يعرف كيف يسامر الطبيعة ويرتاح معها، أو تنفخ أفّ على ألم خفيف دغدغ الذاكرة. من الحصاد إلى الفجر إلى الطعام إلى الدار، إلى رائحة الرجيد، تفاصيل تعيشها الذاكرة برغبة المشتاق المتناسي.
يبدأ الكاتب، الدكتور ربيع رستم، مجموعته بإهداء إلى المغتربين عن البلد، والذين يتسللون بالنظر لها من خلال ثقب الذاكرة، الكتاب الصادر عن دار ليندا للنشر والتوزيع، 2017، يطرح قصصه بروح عالية من التشويق، رغم عاصفة الألم التي تحيط بسوريا، ورغم الموت، إلا أن لحظات الصمت الطويلة والعجز، أعطت الناس القدرة على التحايل والالتفاف عن المأساة، من خلال الفكاهة وتسويغ الحياة، والابتعاد عن المباشرة، هذه أحد أهم الأسباب للصراخ الأدبي الذي نجده في الساحة السورية بكثرة، هو نداء الحياة ضد الموت، من خلال العلاج بالأدب.
ضمن الكتاب نجد أنفسنا أمام صائد لحظات يقف خارج المشهد ويراقب ويلتقط، بفطنة وذكاء المشهدية التي تمثلها الحياة الزوجية البسيطة، البعيدة عن المخاتلة والمراوغة التي يمتاز بها عصرنا الحالي، لكنها تمتاز بالسذاجة إلى حد بعيد، لم يكن ذكاء الكاتب فحسب، فهو عمل على التقاط القصص الشعبية الشفهية ودوّنها في كتابه "ضربات على الكاحل".
حكايا لو قرأتها أمام الآباء لقالوا لك حدث هذا فعلاً في السويداء، وربما تكون من باب الفكاهة، فأيام الحصيد الطويلة والشتاء الطويل، كانت تجعل الناس يخرجون من صومعاتهم باتجاه الملاقي والمضافات وتبادل الأحاديث التي تخفف عن النفس شقاء المكابدة والعناء من العمل.
لكن المهارة والحرفية العالية كانت بالتقاط الكاتب للهجة المحكية ولمفردات قد تكون اندثرت الآن في فوضى الركض السريع بقيود المعدن الذي استعبد الإنسان، وهجنّه بما يناسب أناقته الزائفة.
كتاب ضربات على الكاحل من الطرائف الفريدة التي لا بد من أن يُقرأ، ولا بدّ أن تمسح عيناك من شدة الضحك، ومن الجرأة بطرح الفكرة، ابتداء من طبق القش الموجود على الغلاف تحت القنطرة المصنوع من الحجر الأزرق والتي تمتاز به السويداء، انتهاء بعناوين ربما تحتاج إلى قاموس شعبي لحلها. لكنها تجلس تحت العرائش، ولحظاتها الطيبة، لتقطف لحظات الكرم، وتتذكر الحال والمآل.
ضربات على الكاحل (خبابا في حكايا)

نشر في: 4 يناير, 2018: 12:01 ص