adnan.h@almadapaper.net
عضو مجلس النواب العراقي عن ائتلاف دولة القانون، عامر الخزاعي، يتصوّر، أو يريدنا أن نتصوّر، أنّ ما يصفها بـ "منظمات غربيّة" لا شغل لها ولا عمل غير معاداة نظامنا الذي لائتلافه النفوذ الطاغي فيه على مدى الاثنتي عشرة سنة الماضية، وتلفيق المعلومات الكاذبة في حقّ هذا النظام.
هذه الفكرة كان نظام صدام يسعى لتسويقها داخلياً وتصديرها خارجياً، وهي من السمات الثابتة للأنظمة الشمولية ولذوي التفكير الشمولي الذين لا يريدون أن يقرّوا بأنّ أنظمتهم ونمط تفكيرهم يُفترض أن يُلقى بها إلى مزبلة التاريخ لأنها صارت في موقف الضدّ من حركة التاريخ.
السيد الخزاعي ينفي في تصريح صحافي كلّ مصداقية لتقارير "منظمات غربيّة" عن قضية الفساد في العراق، قائلاً: "التقارير التي تتحدّث عن الفساد الصادرة عن منظمات غربية ليست لها المصداقية الرسمية".ولإقناعنا بفكرته هذه اختار النائب الخزاعي أن يضرب مثلاً بقوله إنّ "آخر التقارير الصادرة عن فرنسا تتحدّث عن مجمل عمليات الفساد في العراق بأنّ كميته تفوق نصف إجمالي موازنات العراق منذ عام 2003 لغاية الآن وهو رقم غير منطقي".
التقرير الذي يقصده السيد الخزاعي نشرته صحيفة "لو فيغارو" في مطلع تشرين الأول (أكتوبر الماضي) على هامش زيارة قام بها رئيس هيئة النزاهة، حسن الياسري، إلى لندن في مسعى لإقناع السلطات البريطانية بالتعاون مع هيئته لاستعادة أموال هرّبها مسؤولون سابقون فاسدون إلى الخارج ويحملون الجنسية البريطانية، بينهم وزير التجارة الأسبق فلاح السوداني، زميل السيد الخزاعي في قيادة حزب الدعوة.الصحيفة الفرنسيّة نقلت عن رئيس هيئة النزاهة قوله إنّ مهمّته بمحاربة الفساد في بلاده هي بمثابة "إفراغ مياه البحر بملعقة". والسيد الياسري كما نعرف قال مثل هذا الكلام مرّات عدة في مناسبات مختلفة، وهو كان قد تقدّم باستقالته من رئاسة الهيئة بسبب ما يواجهه من صعوبات جمّة في تحقيق مهمته.الصحيفة نقلت في تقريرها عن رجل أعمال فرنسي وصفته بأنه "مقرّب من بغداد" القول بأنّ الفساد في العراق "ليس مجرد آفة بل نظام حكم" (هذه الحقيقية يعرفها كل عراقية وعراقي). وأضاف التقريرأنه في السنين الـ13 التي أعقبت إطاحة نظام صدام تدفّقت على العراق عائدات نفطية زادت على 800 مليار دولار، فيما الفساد كلّف خزينة الدولة 312 مليار دولار( هذا الرقم كان قد تحدّث به كثيراً النائب الراحل أحمد الجلبي الذي كان مهتمّاً كثيراً بقضية الفساد الإداري والمالي وحقّق كشوفات مذهلة بشأنها قبل موته المفاجئ).
لنترك جانباً كلام رجل الأعمال الفرنسي وكلام "لو فيغارو" الذي أغاظ النائب الخزاعي، ولنهمل التقارير الدورية لمنظمة الشفافية العالمية، ولنبق مع السيد الخزاعي وحده.الخزاعي نائب في البرلمان العراقي منذ إنشائه، وفي فترة عيّنه رئيس الوزراء السابق نوري المالكي وزيراً للمصالحة الوطنية ثم رئيساً للجنة المصالحة الوطنية (الوزارة واللجنة أنفقتا عشرات ملايين الدولارات ولم يتحقّق شيء من المصالحة حتى اليوم!).السيد الخزاعي نائب، وأي نائب، فهو من الكتلة الأكبر والأقوى نفوذاً في الدولة كلها، البرلمان والحكومة والقضاء والإعلام، وعلى هذا الأساس في وسعه الحصول لنا على معلومات مؤكّدة عن حجم الفساد الإداري والمالي، وهو أمر لا يتحقّق لنا نحن الصحفيين الذين لم يستجب مجلس النواب إلى اليوم لمطالبنا المتكرّرة بتشريع قانون "حق الوصول الحر الى المعلومات"، ليصبح في إمكاننا معرفة الحقيقة عن قضية الفساد وسائر القضايا. من حقّنا أن نعرف، ومن واجب السيد الخزاعي، بوصفه نائباً، أن يجعلنا نعرف. ليُعطنا الرقم المضبوط للعائدات المالية (النفطية وغير النفطية) منذ 2003 حتى الآن، وليُعطنا الرقم المضبوط لما أُنفِق من هذه العائدات على القطاعات المختلفة (الاقتصاد، الصحة ، التعليم، الكهرباء، الماء، الصرف الصحي، البيئة... الخ)، وليُعطنا الرقم المضبوط لما تحقّق من هذا الإنفاق،وليعطنا الرقم "المنطقي" لحجم الفساد.. وقتها سيتبيّن لنا ما إذا كان النائب الخزاعي على حقّ في كلامه أم على باطل.
هل يفعلها؟
جميع التعليقات 1
hameed
وقفوهم انهم مسؤولون