500 عام مرّت على حركة الاصلاح الديني التي أطلقها الراهب والقسيس الألماني مارتن لوثر (1483 - 1546) ،و تأليف كتاب عن سيرة حياته ظلت تمثل دائماً تحدياً كبيراً.
و(مارتن لوثر)كتاب جديد عن سيرة حياته من تأليف ريكمي تاكساس(كاتب امريكي ولد عام 1963)الذي كان جريئا للغاية عندما قررالقيام بهذه العملية ،ويجب القول منذ البداية،إن من يريد أن يصبح خبيرا في حياة مارتن لوثرفان ذلك يتطلب منه الكثيرمن القراءة.
وقد تم تأليف الكثيرمن الكتب التي تناولت سيرة حياة مارتن لوثرأكثرمن أي شخصية أخرى في التاريخ المسيحي،باستثناء يسوع المسيح. وإضافة إلى كتب السيرة الذاتية الهائلة هذه هناك عشرات المجلدات الضخمة المليئة بكتابات لوثرالخاصة باللغتين الألمانية واللاتينية،لذلك فان الجهد المطلوب لتلخيص سيرة حياته يبدوعملا شاقاً للغاية. ولكن كتابة سيرة حياة مارتن لوثرفي عام 2017 هي تحد من نوع خاص،وربما يكون من بين أعظم التحديات التي تواجه أي مؤلف على الأقل فيما يتعلق في المنافسة من المؤلفين الآخرين. فهذا العام صادف ذكرى مرور500 عام على الإصلاحات التي قام بها مارتن لوثر،وسواء كان أحدنا يحبه أم لا،فنحن جميعا عشنا "عام لوثر"، ؛واستغل الناشرون في أوروباوأمريكاالشمالية هذه المناسبة ليملأوا العالم بطوفان من الكتب التي تتحدث عن سيرة حياته . في الأشهرالعشرة الأولى من ذلك االعام،ظهرأكثرمن اثني عشركتاب سيرة ذاتية عنه باللغة الإنكليزية،بما في ذلك كتاب مصور موجه إلى الأطفال. وقد تجاوزت الكتب التي صدرت هذا العام كل ما تم نشره عن مارتن لوثر في العقدين الماضيين،بمافي ذلك التحفة التي ألفها الكاتب مارتن بريخت "في ثلاثة مجلدات شاملة" بعنوان مارتن لوثر،والتي يشيد بها مؤلف هذا الكتاب بقوله إنه "لايمكن عدم الاشارة اليها ". وغني عن القول،إن هذا الطوفان من الكتب يمكن أن يصعق بسهولة أي قارئ،ويسبب له الاعياء والتعب - - أويصيب بالرعب كل من يفكر في كتابة سيرة حياة مارتن لوثر لسنوات قادمة.
معظم الكتب التي صدرت مؤخراً عن سيرة حياة مارتن لوثركتبت من قبل المؤرخين المتخصصين بتاريخ الإصلاح الديني الذي قام به مارتن لوثر،وكما يمكن للمرءأن يتوقع،فأنها كانت تستهدف نخبة من الأكاديميين،حتى عندما كانت تصدر عن دور نشر خاصة بدلاً من دور النشر الجامعية. ومهما كانت الرؤى الجديدة التي تدعيها كتب السيرةالذاتية هذه فانها لا تقوم على أكثرمن تفسيرجديد لما يعرفه الجميع وليس القيام باكتشاف حقائق جديدة.

ميتاكساس،مؤلف هذا الكتاب هو صاحب عدة كتب شعبية مثل "نعمة مذهلة"، و"المعجزات" يمثل استثناء بين من قاموا بدراسة حياة مارتن لوثر،على الأقل جزئيا. فكتابه الجديد "مارتن لوثر" ليس سيرةعلمية،على الرغم من الحواشي التي يزخر بها ،ولكنه محاولة لجعل سيرة حياة مارتن لوثرجذابة للجمهورالعادي فهو يصوره كبطل يذبح تنين العصور المظلمة ،ينقذ الله من تفسيرات رجال الدين التي خنقته ،ويخترع الحرية الفردية ويشرع في الحداثة.
هذا النهج – الذي ينعكس في العنوان الفرعي للكتاب – يشبه إلى حد بعيد ماعمله توماس كاهيل(عالم ومؤرخ امريكي )في كتابه "كيف أنقذ الأيرلنديون الحضارة وآرثرهيرمان(مؤرخ امريكي )في كتابه "كيف اخترع الاسكتلنديون العالم الحديث". جميع هذه الكتب وصلت الى جمهورواسع من القراء من خلال تبسيطها لتعقيدات التاريخ وكانت تعزو قيام التحولات التاريخية الكبيرة لذات الأسباب. كان لهذا الايجاز سحره،ويحمل بعض التشابه مع الحقيقة. ولكن حاله حال أي رسم كاريكاتوري،لاينبغي أن يكون مخطئا اذا لم يرسم موضوعه بشكل دقيق.
من الصعب تقييم هذا الكتاب كنص واحد بسبب التداخل المستمر لكل من السرد والتحليل في ثناياه ،،وخاصة لأن التحليل يبدو متداخلا في السرد أكثر منه توضيحاً أوتفسيراً. وغالبا ماكان تركيز المؤلف الشديد على أهمية ما قام به مارتن لوثرفي كل جانب من جوانب إصلاحه أقرب إلى التعاطف معه بدلا من النغمة المخلصة التي يتوقعها أحدنا من المؤرخين. ونتیجة لذلك،ینبغي تقییم مكونات الكتاب بشكل فردي.
أما فيما يتعلق بالسرد،ففيه الكثيرمما يستحق الثناء. وتفاصيل حياة لوثروصراعاته ضد الوضعالراهن ترتبط بحيويته،وموهبته الحقيقية في مواجهة تعقيدات علم اللاهوت في العصورالوسطى بطريقة لم يسبق لاحد أن واجه بها هذا المجال من قبل. وقد عرف المؤلف كيف يروي قصة حياة هذا المصلح العظيم ،وهذه الموهبة جعلت سرده مؤثراً وسهلاً في نفس الوقت
ويولي المؤلف ميتاكس اهتماماً لفترة قصيرة نسبياً من الزمن، تمتد من عام 1513 إلى 1525، عندما تحول لوثر من راهب مضطرب إلى متمرد جريء، ثم إلى شخصية غريبة الأطوار. وكانت هذه هي السنوات التي لم يحاول فيها مارتن لوثر تغيير نفسه فحسب ولكنه تسبب أيضاً في إحداث أكبر ضجة. ويقدم المؤلف لقرائه لمحة ممتازة عن حياة لوثر كلها، من المهد إلى القبر، وخاصة تلك الأخطار التي واجهها باستمرار حتى يوم رحيله ، بعد أن تجرأ على تحدي البابا ليو العاشر و الإمبراطور الروماني تشارلز الخامس.
لقد أحدث مارتن لوثر ثورة حقيقية في الفكر الديني ومهد الطريق لكي تنعم أوروبا بالحرية
عن نيويورك تايمز