"حوار الرسم والشعر" هو عنوان المعرض المشترك، الذي استضافته العاصمة الفرنسية باريس في معهد العالم العربي الثلاثاء الماضي 28/11/2017، للفنان التشكيلي العراقي حيدر المقيم في مدينة تور الفرنسية، برفقة الشاعرة اللبنانية فينوس خوري غاتا، والشاعر السوري أدونيس.
وتوزعت أعمال الفنان حيدر في هذا المعرض على مساحات مختلفة، استخدم فيها الأكريليك والزيت والإسمنت والرمل، كما أدخل فيها القطع المعدنية كالكولاج. في تجربة تشكيلية تمتزج فيها التقنيات الحديثة مع جماليات أصول تمتد بعيداً في جذور حضارة بلاد ما بين النهرين مؤطراً الكل في حركة تقاطع ألوان معتمة ظاهرياً إلا انها تنبض بإشعاع ألق بذاته ودون حدود. وان ما تعلنه تشكيلات هذا الفنان، تعكس وبعمق غالباً، تعاملاً مرهفاً مع المادة واللون ينطوي على دلالات عميقة، لجيل بأكمله في الواقع، على تمسك حيوي وجدلي بالجذور الرافدينية.
وكما لاحظ الشاعر العراقي فوزي كريم، في نص بعنوان "حيدر: ذاكرة للطفولة" بمناسبة معرض لحيدر في غاليري «همِنغوي» Hemingway، بضاحية من ضواحي مدينة أكسفورد، فان هذا الفنان يحرص بل يشترط على التشكيل البصري، ان "لا يحاصر اللونَ ويتفوق عليه". اذ في اللون يقع هذا الفنانُ على ضالته.. "ولذلك تجد مساحات اللون، بالرغم من استراحتها الظاهرة، مُنشغلة أبداً بعناصرها الكثيرة التي ولّدتها.. اذ اللون دائماً وليد خلطة من مواد خام ليس من السهل اكتشاف مصادرها. ولكي يُذكّر حيدر عينَ المشاهد بذلك يترك خلطة اللون، لا اللون، بما تنطوي عليه من شوائب ونسيج وخشونة، ملء البصر. لون خشن ما من ملاسة فيه، حتى لو ابتعدتْ العينُ عن اللوحة بمقدار."
وهو حِرص يرى جذوره الشاعر فوزي كريم في أن "طفولة حيدر وصباه ينعمان بفضيلةٍ كان يتمتع بها البيت في مدن الجنوب؛ هي شيوع التشكيل بحركة تكويناته الناشطة، وشيوع اللون الذي لا تُطفأ إضاءته. هذا التشكيل واللون تجدهما في البيبان والشبابيك، وتجده أكثر في نسيج البسط، في شراشف الأسرّة وأغطيتها، وثياب النساء. في المنفى يستعيد الفنان، والكاتب أيضاً، مادته الخام من أيام طفولته وصباه. يستعيدها وكأنها لا تنتسب إلى الذاكرة، لأنها أعمق بدرجات من فعل التذكر الظاهر لسنوات الشباب".
كما يلحظ فوزي كريم أن في أعمال حيدر الفنية المبكرة "ينشط فعل التذكّر الظاهر الذي يرجع لسنوات الشباب في بغداد. ولذلك تقع على ردود الأفعال الكابية الكسيرة والمباشرة لسنوات الاضطهاد تحت سلطة دكتاتورية الحزب الواحد، ولا تكاد تتضح ملامحٌ من المادة الخام التي تعود إلى أيام الطفولة والصبا المبكرين، التي سنراها بارزة في الأعمال التالية، فيها نرى أن رؤيا حيدر الفنية في معظم أعماله المتأخرة إنما هي وليدة فرك الصدأ عن سطح تلك الذاكرة. منها تنبعث حبيبات الألوان الخشنة، شظايا الخشب، الخرز الملون، الأسلاك، والمسامير، والخيوط المُلتاثة بالتراب والطين. وكذلك أُطر البيبان والنوافذ، وشراشيب البُسط، وتلك الأشكال التي تنطوي على رُقىً ورموز. إنها أشياء الحياة التي ينعم بها البصر، والبصيرة، الطفوليان".
وهذه الخلطة في التشكيل واللون يرى فوزي انها "لا تترك اللوحة صامتة. بالرغم من أنها توهم بذلك، حين يُنظر إليها عن مبعدة. وهذه الخلطة أيضاً لا تترك اللوحة دون فعل درامي، بالرغم من أنها توهم بذلك. فبالرغم من السكينة الظاهرة ثمة حركة دائبة في الخطوط والكتل المتعارضة مع بعض، وفي الحضور اللوني البارد أو الحار، لا فرق، تتضح مع اقتراب العين. وهذا ما تتطلبه لوحة حيدر".
وحيدر ولد سنة 1954 في مدينة الشطرة بالقرب من أور عاصمة بلاد الرافدين بغداد، وأقام معرضه الشخصي الأول في بغداد سنة 1973، وشارك في عدد من المعارض الجماعية بين سنتي 1973 و1976، غادر العراق، وأقام في فرنسا سنة 1976، درس التقنية والرسم المعماري في مدينة تور سنة 1984، ودرس التقنيات الحديثة للفنون الرقمية في المدرسة الأوروبية للصور في بواتييه سنة 1999، وله مساهمات في التجمعات والمبادرات الفنية في أوروبا وفي فرنسا بشكل خاص. أسس مشاغل للرسم والصور الرقمية والفيديو في مؤسسات خاصة في فرنسا، ويعمل مدرساً فيها. أقام زهاء 70 معرضاً شخصياً وجماعياً في فرنسا، وبلجيكا، وسويسرا، وألمانيا، وغيرها، وتتوزع مقتنيات من أعماله في مجاميع خاصة في أوروبا والولايات المتحدة الأميركية.