اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > إدمان جمالي

إدمان جمالي

نشر في: 29 ديسمبر, 2017: 09:01 م

إضافة الى ماتمنحه لي زيارة المعارض الجديدة من بهجة، وما توفره من إطلاع على مايقوم به الفنانون في مراسمهم من تقنيات، فأنا أعِدُّ هذه الزيارات، بمثابة هواية محببة الى نفسي، هي تشبه الادمان الى حد كبير، لكنه إدمان جمالي، يجعل الرؤيا أكثر إتساعاً والخيال أَشَد خصوبة والروح أعمق صفاء. لكني إضافة الى كل هذا، أعشق بشكل خاص المعارض الغريبة والنادرة، وأحب المعارض التي لا تتكرر. من هنا جاءت زيارتي لمعرض الحقائب الذي يقام الآن في امستردام.
خرجت من محطة القطار الرئيسية، لأصل بعد خمس دقائق الى صرح هندسي مذهل يشبه الى حد بعيد القلاع القديمة بواجهته الواسعة المرتفعة المبنية بالطوب الأحمر، والتي تعلوها خمسة أبراج إستقرت على حافات الواجهة الطويلة، بينما ظهرت في الأسفل ثلاثة أبواب مقوسة تمنح الناظر راحة، وسط هذا المكان المهيب. حضرتُ الى هنا لمشاهدة المعرض والكتابة عنه، وها هو هذا البناء الجميل يشغلني أكثر من المعرض ويحتويني بتاريخه وقوة حضوره وتأثيره الذي لا مناص منه. هذا الصرح إسمه (بورس فان برلاخه) وهو واحد من أهم مائة بناية ضمن التراث الوطني الهولندي، وقد صممه وبناه المهندس هندريك بيترس برلاخه، سنة ١٩٠٣ ليكون مكاناً تجارياً يتعلق بالبورصة وتجارة امستردام، لكن هذا المكان الذي تزوج فيه ملك هولندا وليم الكسندر من الملكة مكسيما قبل ١٥ عاماً، تحول الآن الى أهم مركز ثقافي وفني وإجتماعي، حيث تقام فيه المعارض الفنية وتعرض الافلام وتُعقد فيه الاجتماعات الكبيرة والمهمة وتعرض الكتب وتقام الأمسيات الثقافية والموسيقية، وكذلك بعض المراسيم الرسمية، وبالتأكيد الكثير من الصفقات التجارية الضخمة. وبسبب كل هذا التأثير والحضور الجمالي لهذا المكان تطلق الصحافة الهولندية عليه تسمية (الحراسةالليلية للعمارة) مقارنة بلوحة ريمبرانت الشهيرة.
سحبت نفسي من غواية هذا المكان الجميل لأدخل المعرض الذي طار بي نحو العصر الذهبي للسفر، والذي شغل مائة وخمسين سنة مضت. كل زاوية في المعرض تهمس بقصة خاصة بها، وكل حقيبة تدعوك لمعرفة حياتها، وتطلب منك أن تتحسس آثار الأصابع التي حملتها وتركت فوقها تلك اللمسات التي لا يستطيع الزمن محوها، لتكون شاهداً على تاريخ طويل من السفر والرحلات والتنقل برشاقة بين وسائط نقل تلك الايام البعيدة. كل حقيبة هنا لها شخصيتها وغرض إستعمالها وأهميتها، وثمنها طبعاً.
مئات الحقائب عرضت في هذا المعرض الإستثنائي، وكلها تعود لجامع تحف سويدي، قرر عرضها في معرض واحد، ليرينا الجانب الأسطوري للحقيبة وماتعنية خلال سنوات طويلة مضت. أحجام ومواد وتصاميم وألوان تأخذ العقل، حيث إستعمل في صناعتها وتصميمها الخشب والجلود والأقمشة والحرير وبعض الشرائط التي صنعت من مواد مختلفة، بعض هذه الحقائب كبيرة وقد ِثُبِّتَتْ زوايا معدنية على زواياها، والأخرى صغيرة تعود لنساء متيسرات، وحقائب أخرى أشكالها دائرية أو مستطيلة، أو حتى أشكالاً غير منتظمة، وكلها تعود للفترة التي بين منتصف القرن التاسع عشر حتى نهاية القرن العشرين.
يالها من رحلة عبر قطار الزمن، أتطَلَّعُ من خلالها على هذا العدد من الحقائب التي لم أتخيل مشاهدتها مجتمعة في مكان واحد، وفي معرض فريد لن يتكرر. كنت عادة ما أتجول مع حقيبتي وسط المتاحف، وها أنا أتجول الآن وسط الحقائب!
بعد هذه الزيارة وقفت أمام البناية الجميلة، ساهماً في موضوع الحقائب والسفر، ثم تجولت وسط امستردام، لأتوقف بعد لحظات وأفكر - كوني مازلت مأخوذاً بعالم الحقائب- بسحبِ خطواتي نحو (متحف الحقائب) الذي تُبعدني عنه بضع دقائق. وها أنا أسير الآن بهدوء بإتجاه هذا المتحف، لكني سأرجئ الكتابة عنه للأسبوع القادم.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

الشرطة المجتمعية: معدل الجريمة انخفض بالعراق بنسبة 40%

طبيب الرئيس الأمريكي يكشف الوضع الصحي لبايدن

القبض على اثنين من تجار المخدرات في ميسان

رسميًا.. مانشستر سيتي يعلن ضم سافينيو

(المدى) تنشر جدول الامتحانات المهنية العامة 

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

العمودالثامن: عقدة عبد الكريم قاسم

العمودالثامن: فولتير بنكهة عراقية

عاشوراء يتحوّل إلى نقمة للأوليغارشية الحاكمة

وجهة نظر عراقية في الانتخابات الفرنسية

من دفتر الذكريات

العمودالثامن: هناك الكثير منهم!!

 علي حسين في السِّيرة الممتعة التي كتبتها كاترين موريس عن فيلسوف القرن العشرين جان بول سارتر ، تخبرنا أن العلاقة الفلسفية والأدبية التي كانت تربط بين الشاب كامو وفيلسوف الوجودية استبقت العلاقة بين...
علي حسين

كلاكيت: الجندي الذي شغف بالتمثيل

 علاء المفرجي رشح لخمس جوائز أوسكار. وكان أحد كبار نجوم MGM (مترو غولدوين ماير). كان لديه أيضا مهنة عسكرية وكان من مخضرمين الحرب العالمية الثانية. جيمس ستيوارت الذي يحتفل عشاق السينما بذكرى وفاته...
علاء المفرجي

من دفتر الذكريات

زهير الجزائري (2-2)الحكومة الجمهورية الأولىعشت أحداث الثورة في بغداد ثم عشت مضاعفاتها في النجف وأنا في الخامسة عشرة من عمري. وقد سحرتني هذه الحيوية السياسية التي عمّت المدينة وغطت على طابعها الديني العشائري.في متوسطة...
زهير الجزائري

ماذا وراء التعجيل بإعلان "خلو العراق من التلوث الإشعاعي"؟!

د. كاظم المقدادي (1)تصريحات مكررةشهدت السنوات الثلاث الأخيرة تصريحات عديدة مكررة لمسؤولين متنفذين قطاع البيئة عن " قرب إعلان خلو العراق من التلوث الإشعاعي". فقد صرح مدير عام مركز الوقاية من الإشعاع التابع لوزارة...
د. كاظم المقدادي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram