نشرت مجلة «نیویوركر» الأميركیة، مؤخرا، قصةً قصیرةً تحت عنوان «Person Cat» أو «الرجل القط»، للكاتبة كریستین روبینیان، وفور نشرها أحدثت هذه القصة ضجة واسعة، في وسائل التواصل الاجتماعى، لتناولها أزمات المرأة فى علاقتها الجنسیة مع الرجل.

وفى الوقت الذى لم یشهد فیه العالم منذ سنوات عدیدة، احتفاءً هائلا بالأعمال الأدبیة، وخاصة القصص القصیرة، تسابقت الصحف العالمیة فى الحدیث عن القصة وتفاصیلها، واستضافت كاتبتها، وتشیر أحداث القصة إلى مدى الظلم الذى تتعرض له المرأة خلال أدائها العلاقة الجنسیة مع الرجل، حیث یهتم الآخر بإشباع جمیع رغباته، ویسعى لتلبیة احتیاجاته الجسدیة، دون أن یقدم مثیل ذلك لشریكته، وتلمح القصة إلى أن الرجل یشبه كثیراً فى ذلك الموقف «القط» الذى «یأكل وینكر»، بالتعبیر الدارج.
وتدخل القصة فى أجواء مغرقة فى الرومانسیة، وتتضافر الأحداث حول امرأة تبلغ من العمر ٢٠ عاماً، ورجل یبلغ ٣٤ عاماً، یتواصلان بمحض المصادفة، ویقعان فى قصة حب، حتى یجمعهما الفراش، ویمارسان العلاقة الحمیمیة.
و أجواء القصة الحمیمیة، جعلتها تستولى على عقول القراء فى جمیع أنحاء العالم، ولیس فى الولایات المتحدة فقط، و أحداثها ربما تكون واقعیة، وتصف حال الكثیر من النساء حول العالم، وتكسر «تابوهات» لدى المجتمعات الشرقیة.
و كاتبة القصة كریستین روبینیان تبلغ من العمر ٣٦ عاماً وتعمل محاضرة فى جامعة میشیغان، وحصلت مؤخرا على درجة الماجستیر، واحترفت الكتابة فى السنوات الخمس الماضية الروائية التركية أليف شفق قرأت القصة وكتبت هذه المقالة عنها في صحيفة الفاينانشيال تايمز وتشير في بدايتها الى الحادثة الشهيرة التي هزت تركيا مؤخرا حول مقتل فتاة تركية في السابعة عشر من العمر: كانت هيلين بالاندوكين تبلغ من العمر 17 عاما فقط عندما قتلت أمام بوابات مدرستها في اسطنبول من قبل رجل رفضت الزواج منه. وقد غطت وسائل الإعلام التركية "القصة" لعدة أيام واعتبرتها جريمة عاطفية. ونشرت صور عديدة للضحية لإظهار كم أنها شابة وجذابة. ولم تكن صور القاتل مهمة. كما لم تكن مهمة قضية انه اشترى السلاح الذي قتل به الضحية بكل سهولة من خلال الإنترنت.في جميع أنحاء تركيا، نظر الرجال الى المأساة كجريمة عاطفية. ولكن النساء نظرن اليها بشكل مختلف. فكن يقرأنها مع إدراك حقيقة تقشعر لها الأبدان: ما حدث لهيلين يمكن، في مرحلة ما من حياتنا، أن يحدث لأي واحدة منا. حيث نعيش في ثقافة غالبا ما يخلط فيها الرجال الحب مع الامتلاك ، كنا نعرف "أن صورة الفتاة القتيلة يمكن أن تكون لواحدة منا".
عندما قرأت ( الرجل القط )قصة كريستن روبينيان القصيرة والجميلة " في مجلة نيويوركر، فكرت في هيلين وآلاف الشابات في جميع أنحاء العالم الذين يكاد يمشين في كل يوم على خط رفيع فصل بين الخوف والحرية، والثقة بالنفس. وفي نهاية المطاف، بين الحب والكراهية.
لكن "هذه القصة " لا تتحدث عن العنف الجنساني. ولا عن الاغتصاب أو التحرش الجنسي بالتحديد. فقوتها تكمن: في قدرتها على التقاط التعقيد والارتباك الذي تشعر به كثير من النساء عندما يدخلن في علاقة رومانسية - أو يرغبن في الخروج منها تلتقي مارغوت، وهي طالبة جامعية تبلغ من العمر 20 عاماً، مع روبرت البالغ من العمر 34 عاماً. من الواضح منذ البداية أنه ليس بينهم انجذاب حقيقي لكنهما يجدان أنفسهما متشابكين في قضية هي على حد سواء رومانسية وغير رومانسية . يتم سرد أحداث القصة من خلال وجهة نظر مارغوت، بالاضافة الى حواراتها الداخلية حيث كانت تقول لنفسها إنها تريد أن تكون محبوبة ومطلوبة من قبله، على الرغم من أنها تجده مثيراً للاشمئزاز، أيضا. وخصوصا عندما يقبلها، "قبلاته مخيفة و سيئة بشكل مروع". هو أكبر سنا منها، لكنها تشعر أن هناك أشياء يمكن أن تفعلها أفضل منه.في جميع أحداث القصة، تحاول مارغوت بألم أن تستكشف مشاعره وكيف ينظر اليها من خلال مراقبة عينيه. كانت حريصة ومهذبة للغاية حتى لا تخلق جوا من التوتر. عندما كانت تدخل الى سيارته يخيل لها أنه يمكن أن تختطف وتغتصب اويتم قتلها. هذا الخوف المزعج يرافقها عندما توافق على الذهاب إلى شقته. "كانت لديها فكرة غريبة نوعاً ما ، إن هذه ربما لم تكن غرفة على الإطلاق ولكن فخاً لكي تعتقد أن روبرت شخص عادي، شخص مثلها، في حين إنها كانت تتصور أن جميع الغرف الأخرى في المنزل التي كانت في الواقع فارغة كانت تمتلئ بالفظائع: الجثث أو ضحايا الاختطاف أو السلاسل ".
للوهلة الأولى لا يوجد شيء غير عادي في هذه القصة "". ولكن اسلوبها البسيط هو ما جعلها مألوفة جدا بالنسبة للقراء في كل مكان.
هذا هو عصر ما بعد (الفضائح الجنسيّة المتتالية التي طالت المنتج الأميركي الشهير هارفي واينستاين )، "وهذه القصة " أثارت مناقشات حول الجنسانية والسلطة والجنس.وقامت النساء بمشاركة تجاربهن الشخصية عبر وسائل التواصل الاجتماعي وفي الوقت الذي رفعن فيه النساء أصواتهن أخيراً، ، وقد أنتشرت القصة انتشارا واسعا.من النادر أن يثير عملاً أدبياً كل هذه الضجة ولكن قصة "الرجل القط " مست عصب،القراء وتمكنت من تصوير ما تشعر به الفتيات الآن. ونشرت المجلة مع القصة صورة مبهرة للمصور الأمريكي إلينور كاروتشي. وهي صورة مقلقة وحميمة في نفس الوقت.انها لحظة مهمة بالنسبة لحقوق المرأة في جميع أنحاء العالم. ولا يمكن اعتبار أي من الحقوق التي اكتسبناها في العقود الأخيرة أمراً مفروغاً منه. عندما تنزلق المجتمعات إلى الوراء وتتعثر في المشاعر الشعبوية أو القومية أو الانعزالية، فإن النساء يفقدن الكثير. دعونا لا ننسى أيضا أنه حتى الآن، تتم قراءة أعمال الكاتبات من النساء ومراجعتها بشكل مختلف عن الكتاب من الرجال. في كثير من الأحيان، عندما تركز كاتبة على المونولوجات الداخلية والارتباك الجنسي لشخصياتها النسائية ، فإن ذلك لا يعتبر عملاً أدبياً جادا . وعلى الرغم من أن قصة "الرجل القط " قد فتحت الباب لجدل مهم ، لا يزال هناك الكثير من العمل الذي يتعين القيام به إذا أردنا القضاء على هذه المواقف مرة واحدة وإلى الأبد.لقد تحدثت النساء أخيراً، ولكن لا يتوقف الأمر عند هذا فحسب.و كما أظهر لنا الاستقبال الحماسي لهذه القصة "، فان النساء يصغين أيضاً. نحن نصغي إلى كلمات بعضنا البعض، وقصص بعضنا البعض، ونشعر بالارتياح من جراء ذلك. وعندما يكون التعبير عن الأمور معقداً جدا أو صعباً للغاية ، فمَن غير الفن والأدب يمكن أن يساعدنا على فهم الحقيقة وقول ما لا يجرؤ أحد على قوله.
 عن: الفاينانشيال تايمز