بدأ السيّاب حياته يكتب للأمل والحياة والحب، وانتهى بعذابات المرض والغربة وحيداً في مستشفيات الكويت، لن يكتب الشعراء من بعده قصيدة مثل "غريب على الخليج" :
بالأمس حين مررت بالمقهى، سمعتك يا عراق
وكنت دورة أسطوانة.. هي دورة الأفلاك في عمري.
ولن يعاتب عاشق وطَنَه بمثل ماعاتب السيّاب:
البحر أوسع ما يكون وأنتَ أبعد ما تكون.. و البحر دونك يا عراق
لم يكن السياب يُدرك أنه سيبهر كلّ من قرأ كلماته التي أرادها في البداية مثل قوس قزح ملّون بالأمل والحياة. ومثلما نتأمل في مرارات السياب وذكرياته، ونتذكر تلك الجواهر من القصائد التي زيّن بها الشعر العربي، نتذكر ذلك الفتى النحيف الذي حطّ الرحال من البصرة قاصدا دار المعلمين العالية ليلتقي نازك الملائكة..الأول كتب قصيدة " هل كان حبّاً " والثانية نشرت قصيدتها " الكوليرا "، فيما كان عبد الوهاب البياتي يستعدّ لإصدار ديوانه " ملائكة وشياطين " الثلاثة تنبأوا بأن رحلة الشعر العربي الحديث ستبدأ معهم وستستمر أعواماً وأعواماً تحت ظلالهم.. الشاب الذي وقف أمام الميكرفون جاء يحمل فقر الحال وغنى الأحلام ليصوغ منهما صورة لوطن جديد، كانوا يحلمون بوطن بوسع القلب اسمه العراق، فوجدوا عسكراً يريدون للغناء أن يهتف بحياة القائد الملهم، جاؤوا ومعهم حلم السياب بأن لايعيش غريبا على الخليج.. وأن لايصرخوا سدى.. عِراقُ، عراقُ..ولا يردُّ سوى الصدى.
نصف قرن وثلاثة اعوام على رحيل السياب " من أجل لا شيء.. و18 عاماً على رحيل عبد الوهاب البياتي حزينا في دمشق، وعشرة أعوام على إغفاءة نازك الملائكة الأخيرة في القاهرة، ونحن نعيش سنوات من الأسى والخراب، فيما خيول داحس والغبراء منشغلة بنزاعات الثأر والطائفية، من البصرة الى بغداد والأنبار والموصل وميسان وصلاح الدين، يصرّ ساستنا الأشاوس على نقل المعركة من أجل العدالة الاجتماعية والقانون والرفاهية والمستقبل الى معركة ختمها " كبيرهم " بأنها معركة "المصاحف" ثم حرب من أجل المناصب والمغانم، لا أمل أن يعلو صوت الغناء والموسيقى، فلا صوت يعلو على صوت الخراب.. وطبول الطائفية.. وأهازيج الانتهازية.
نتذكر السياب مثلما نتذكر أنَّ الشعرَ والغناء تجربَةٌ ومنفى، ونسمع محمود درويش يغنّي : أتذكّر السيّاب أنّ الشعر يولد في العراق.. فكن عراقيّاً لتصبح شاعراً ياصاحبي.
نتذكّر السيّاب، " ونحن لم نحلُمْ بأكثر من حياة كالحياةِ، وأن نموت على طريقتنا: عِراقُ.. عراقُ.. ليس سوى العراقْ ".
ليسَ سوى العراقْ
[post-views]
نشر في: 24 ديسمبر, 2017: 06:11 م
يحدث الآن
معرض العراق الدولي للكتاب: بوابة نحو التميز الثقافي والتضامن الإنساني
النفط يتصدر المشهد وتبدلات مفاجئة في ترتيب دوري نجوم العراق بعد الجولة الثامنة
العراق يُطلق منصة لتنظيم العمالة الأجنبية وتعزيز الرقابة الإلكترونية
العراق تحت قبضة الكتلة الباردة: أجواء جافة حتى الاثنين المقبل
ضبط طن مخدرات في الرصافة خلال 10 أشهر
الأكثر قراءة
الرأي
الخزاعي والشَّاهروديَّ.. رئاسة العِراق تأتمر بحكم قاضي قضاة إيران!
رشيد الخيون وقعت واقعةٌ، تهز الضَّمائر وتثير السّرائر، غير مسبوقةٍ في السّياسة، قديمها وحديثها، مهما كانت القرابة والمواءمة بين الأنظمة، يتجنب ممارستها أوالفخر بها الرَّاهنون بلدانها لأنظمة أجنبية علانية، لكنَّ أغرب الغرائب ما يحدث...