TOP

جريدة المدى > عام > القصيدة العربية الحديثة والتأثر بالتقنيات الحديثة

القصيدة العربية الحديثة والتأثر بالتقنيات الحديثة

نشر في: 19 ديسمبر, 2017: 12:01 ص

يزداد الحديث بين الأوساط الثقافية العربية وخاصة الشعراء العرب أن القصيدة الحديثة تتعرض الى انتهاكات عديدة من قبل من لا ينطبق عليهم قول شاعر ، وإن مواقع التواصل الاجتماعي أثرت بشكل أو بآخر على القصيدة ولم يعد لها شكل محدد أو طريقة محددة أو حتى معنى يمكن استخلاصه.. في حين يرى آخرون أن القصيدة الحديثة أصبحت بطرقها المتعددة قابلة لتعدد التأويلات وعناصر الجذب والانتباه وكذلك تتوافر على عناصر الدهشة والتأمل.. ومن هنا يمكن طرح سؤال مفاده : كيف هو واقع القصيدة الحديثة وتطورها في ظل كل هذه المتناقضات التي تمر على القصيدة بشكلها العام؟ وهل يمكن أن نقول إن القصيدة لم يعد لها مستقبل وإنْ تعدد كتابها وأشكالها يمكن أن ينهي وجود الشعر في الحياة الثقافية العربية؟

عولمة الشعر
ويمضي الناقد عبد الغني بقوله إن أصحاب هذا الرأي يعتقدون أنها ليست أشكال ومدارس الرواد الممثلة لشعر التفعيلة والتي مثلت شعر المقاومة الفلسطينية الرائع وامتداده الوطني والقومي والعالمي مما لا يمكن لأحد التعرّض له والحط من قدره بأي شكل من الأشكال مهما تعددت المشارب والاتجاهات، إنما المقصود المرحلة التالية للرواد والتي تمثلت في قصيدة النثر أو ما يسمى الشعر المنثور أو النثر المشعور أو قصائد الحداثة أو ما بعد الحداثة منذ السبعينيات وما بعدها.ويضيف لها ما يعتقده تراجع دور الشعر بوجه عام بسبب عوامل سياسية محلية ودولية ناهيك عن عصر العولمة غير السعيد الذي نعيش ضراوته وتداعياته.
من جهته يقول الناقد المغربي الدكتور خالد التوزاني إنه من المؤكد أن القصيدة العربية بمعايير الشعرية العربية القديمة قد خضعت لتحولات عبر التاريخ استجابة لتطور الحياة الاجتماعية والاقتصادية وتبعا لانفتاح العرب على شعوب أخرى وحضارات جديدة وأيضا ظهور التكنولوجيا وتغير عادات التواصل وأشكال التلقي وأنماط الكتابة والنشر والقراءة، وخاصة مواقع التواصل الاجتماعي المفتوحة والتي جعلت الإبداع الشعري يتأثر بهذه المستجدات الهائلة والتغيرات الكبيرة والتي لم تشمل ظروف الحياة والتواصل فحسب وإنما كان أيضا لها تأثير على العقل العربي وعلى الخيال الإبداعي وتحديدا على الصور الشعرية وعلى الإيقاع وغير ذلك من معايير تقييم القصيدة العربية.. ويضيف إن ما عزز من قوة القصيدة عناصر أخرى منها الصوت والصورة والتشكيل والألوان والحركة وغيرها من وسائل عرض النص الشعري الذي أخذ أشكالاً جديدة متأثرة بالتكنولوجيا، وأيضا بإبداعات شعوب أخرى غير عربية وذلك بفعل الترجمة وتلاقح النصوص والتقاء القراءات وتعدد المتلقين، وصولاً إلى نص شعري عالمي لا يتعلق بالعرب وحدهم وإنما يملك مقومات الكونية ليخاطب كل الأجناس الأخرى.. ويشير الى أن هذا أصبح وكأنه نوع من العولمة للشعر الإنساني عموما وليس العربي فحسب.. ويرى التوزاني إن هذه التحولات الكبيرة قد جعلت أنصار الشعرية العربية القديمة يدقون ناقوس الخطر ويعلنون موت القصيدة العربية وهذا الحكم يبدو لي متشائما أو قاصراً ويخالف قانون التغير الكوني في ضرورة التطور وحتمية التغيير..

تعدد التأويلات ومحنة النص
الناقد العراقي داود سلمان الشويلي يرى إنه تناول الموضوع في العديد من المقالات والتي طالب فيها من الشعراء أن يبحثوا عن طريقة جديدة لإيصال شعرهم وتساءل بعد أن عدّد طرق توصيل الشعراء قصائدهم الى المتلقي في نهايتها: هل طريقة السلف الاقدم من الشعراء أو طريقة السلف الاقرب او طريقة شعراء زماننا هي الطريقة المثلى في إيصال شعرنا الى المتلقين أم أن هناك طرق شتى يمكن للشعراء أن يسلكوها للوصول الى الجمهور ؟..ويقول : أترك الاجابة الى الشعراء انفسهم وهم يتسابقون للقراءة على المنابر حتى لو كانت القصيدة تحتاج الى همس كلماتها أو أبياتها أو عباراتها الشعرية في أذن المتلقي لكي تفهم وتدرك معانيها الفكرية والجمالية.. ويشير الى أن الشعر اذا كان سابقا يعرف بأنه الكلام الموزون فهناك بعض من الدارسين يعرفه بأنه الكلام المنظوم ، وبعضهم يعرفه على انه الكلام المهموس.. ويؤكد الشويلي على إن الأمر بحاجة الى أية طريقة أو وسيلة لتوصيل شعرنا ,,ويرى إن مواقع التواصل الاجتماعي احدى الوسائل المتاحة للشعراء لتوصيل شعرهم مهما كانت قيمة هذا الشعر أو قائله لأنه في النهاية لا يبقى من هذا الزبد سوى الشعر الذي يمكن أن نقول عنه إنه شعر بحق.
لكن الناقد العراقي عبد علي حسن يؤكد من جهته على إنه ليس من اليسير القطع باختفاء الشعر من الحياة الثقافية العربية لمجرد أن بعض الصعوبات تقف حائلا دون أن يكون للقصيدة العربية اليوم تأثير في المشهد الثقافي.. ويضيف انه حتى لا يمكن تصور ذلك لاعتبارات كثيرة لعل اهمها رسوخ الشعر في البنية الثقافية العربية منذ أمد بعيد فضلا عن استمرار الحاجة إليه كوسيلة تعبيرية كرستها البنية الاجتماعية ووجود الحاجة النفسية للفرد العربي للشعر كجنس أو شكل تعبيري يتناسب والإرث البلاغي العربي.. ويستدرك الناقد حسن إلا انه من الممكن الحديث عن تراجع أولويات الشعر في قائمة اهتمام الفرد العربي والتحول الى جنس آخر يتكفل بتلبية الحاجة النفسية والجمالية في ظرف أو بنية اجتماعية جديدة متحولة استدعت وجود أو تقدم هذا الجنس أو ذاك على الشعر كما يحصل في راهن الثقافة العربية التي تشهد تقدم الرواية على الأجناس الأخرى لإمكانيتها في التعبير عن التحولات التي يشهدها الواقع العربي اليوم ، ولعل ما نشهده من تطور سريع ومتسع لوسائل الاتصال وظهور مواقع ثقافية عديدة والاتساع الحاصل في صدور المئات من الصحف والمجلات الثقافية قد جعل مبدأ انتقاء النص الشعري الجيد والمؤثر والحائز على صفة التجاوز من الأمور الصعبة فضلا عن ضعف أو انعدام الرقابة الفنية على المطبوعات.. ويعتقد إن كل ذلك جعل الباب مفتوحا على مصراعيه للنشر وفي أي مكان يريد هذا الكاتب أن ينشر نصه الشعري ، الأمر الذي أدى الى ظهور مستوى ضعيف من الناحية الفنية والموضوعية وهو ما أثر سلبا على دور الشعر في التأثير في البنية الثقافية العربية.

الشاعر وحجم السؤال
الشاعر والناقد الاردني يوسف الديك يرى إنه للإجابة عن سؤال بهذا الحجم والأهمية يتطلب ابتداءً معرفة ماهية الشعر وظيفته في الحياة وأهميته ومراحل تطوره وصولاً للحاضر المُعاش.
ويشير الى أنه إذا كانت الحياة تشكل مجموعة إجابات يومية متلاحقة فإن الشعر هو السؤال قبل بدء البحث عن الإجابات في مضمار السباق الكوني نحو الهاوية. لذا كما يرى الديك انه علينا سبر التفاصيل الدقيقة للنهوض بالنقاشات النظرية حول طبيعة الشعر ومبادئه ووظائفه إذ يتعين على الشاعر أن يكون بحجم السؤال الذي سيبحث عن إجابات لاحقة له ، وأن يمتلك قدرًا من التمايز عن الآخرين من حيث اللغة والقدرات وفهم التراث بشكل أساسي كمنطلق للتأثير باليومي القائم المتواتر المستهلك. ويوضح ان الشعر الحديث وإن تعرض لبعض المتغيرات شكلا ما زال يحمل نفس المفهوم للشعر الكلاسيكي المتواتر عبر التاريخ وما الاختلاف سوى بالقدرة على التعبير عن مكنون الشاعر وطريقة بناء النص الشعري.ويعطي قولاً لابن عربي ليكون معيارا لما ذكره ( إن المعنى في الرؤيا يتشكّل كالجنين في الرحم ) وبحسب تقدير الناقد الديك فإن الشعر هو المعنى وليس البناء الخارجي كوعاء يتقولب فيه النص بالطريقة التي يختارها الشاعر. وأن رسالة الشعر الأبلغ هي خلق صورة أجمل لهذا العالم فإن الرؤيا لدى الشاعر يجب أن تتحد بقدرٍ ما بالغيب للتمكن من إعادة خلق العالم أو تشكيل صورة تتساوق والحلم للمحيط الكوني من حولنا. ويرى أيضاً إن تطور ما عرف بـ "السوشيال ميديا " ووسائل الاتصال ومواقع التواصل وما أتاحته من انفتاح شامل يحمل صورتين على قدر كبير من التباين فقد أسست هذه المواقع لشبكة إعلامية متجددة خارج أطر المؤسسة الإعلامية الرسمية والتي تفرض شروطها القاسية أحيانا على المثقف والشاعر وتجعل مصير الأدب أحيانا بيد شخوص غير مؤهلين، وهذا الجانب الإيجابي الذي أتاح لكثير من الموهوبين طرح نتاجهم بحرية وانطلاق. ويحدد الديك الجانب الآخر المؤلم في الأمر انه اتخاذ الحداثة الشعرية مطية لكل من هب وكتب لدرجة أننا نصطدم أحيانا بأشباه أميين يدعون الشعر ويحملون لقبه ، وهذا خلط الأوراق وجعل من المجاملات عن وعي وغير وعي مسألة مقلقة على مصير الشعر وأثره الجمالي العظيم.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

الكشف عن الأسباب والمصائر الغريبة للكاتبات

موسيقى الاحد: عميدة الموسيقيين

النقد الأدبي من النص إلى الشاشة

صورة الحياة وتحديات الكتابة من منظور راينر ماريا ريلكه

وجهة نظر: كيف يمكن للسرد أن يحدد الواقع؟

مقالات ذات صلة

علاقة الوعي بالمعنى والغاية في حياتنا
عام

علاقة الوعي بالمعنى والغاية في حياتنا

ماكس تِغمارك* ترجمة وتقديم: لطفية الدليمي بين كلّ الكلمات التي أعرفُها ليس منْ كلمة واحدة لها القدرة على جعل الزبد يرغو على أفواه زملائي المستثارين بمشاعر متضاربة مثل الكلمة التي أنا على وشك التفوّه...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram