TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > قناديل: عالم مابعد الإنسانية

قناديل: عالم مابعد الإنسانية

نشر في: 3 مارس, 2018: 06:16 م

أصبح مصطلــح ( مابعد الإنسانية Transhumanism) في أيامنا هذه واحداً من أكثر المصطلحات تداولاً ، ويمتاز هذه المصطلح بخصيصة فريدة تجعله مختلفاً عن المصطلحات السابقة له ؛ إذ أنّ هذا المصطلح هو الأول من نوعه الذي تمّت هيكلته بدفعٍ من التطوّرات الثورية في العالم الرقمي وليس بتأثير مواضعات آيديولوجية صرفة - أو مطعّمة ببعض المؤثرات غير الآيديولوجية - مثلما كان يحصل سابقاً .
يرتبط مصطلح ( مابعد الإنسانية ) إرتباطاً وثيقاً مع الإنسان الرقمي والبيئة الرقمية ، ويشيرُ إلى حالة وصفها العالم الذائع الصيت راي كيرزويل Ray Kurzweil في كتابه الأشهر ( المرحلة الإنفرادية قادمة The Singularity is Near)، والإنفرادية تعني بشكل عام حالة تختلف نوعياً وعلى نحو جذري بين ماهو سابق لها وماهو لاحق عليها ، وفي حالة العالم الرقمي والذكاء الإصطناعي تعني تحديداً تلك الحالة التي لايمكن فيها للإنسان متابعة إستمرارية وجوده من غير دعمٍ ( جزئي أو كلي ) من الوسائط الرقمية التي ستتجاوز مرحلة الوسائط الخارجية ( مثل الذاكرات الحافظة للبيانات ، الهواتف النقالة ، قارئات الكتب والنصوص ،،، الخ ) لكي تصل مرحلة التداخل البيولوجي مع وظائف الكائن الحي (الرقاقات المزروعة في الدماغ البشري ، أجهزة تدعيم السمع أو الرؤية ، الوسائط التي تسمح بخلق بيئات إفتراضية ذات سمات محددة ولأغراض محدّدة هي الأخرى ،،،، الخ) ، ومايدعو للدهشة أن كيرزويل وضع تأريخاً هو 2029 رأى فيه أن الكائن البشري لابدّ أن يستعين بعده بشكل من أشكال المؤازرة الرقمية الجزئية ؛ أما لحظة التحوّل الإنفرادي الثوري العميق والشامل فستحصل مع عام 2045 !! ؛ إذ حينها لن يعود بمستطاع الكائن البشري التعامل مع بيئته من غير قدرات إحتسابية ومُعالِجات للمعلومات والبيانات تفوق قدرته الذاتية مهما توفّر على قدرات بيولوجية وعقلية متفوقة ، وسيكون زرع الرقاقات الخاصة بتعظيم القدرات الإحتسابية ومُعالَجة المعلومات في دماغ الإنسان أشبه بأخذ جرعة من التطعيم ضد الأنفلونزا أو أي مرض وبائي آخر .
لسنا نتحدث هنا عن خيال علمي ، وليس (كيرزويل) شخصية أسطورية أو ناسكاً متزهّداً بلغت به الفيوض الروحية مبلغها ففاضت رؤاه بهذه الفنتازيات المدهشة ؛ بل هو شخصية معروفة سبق له العمل أستاذاً للذكاء الإصطناعي والروبوتيات في معهد ماساتشوستس التقني MIT الشهير ، ويعمل اليوم مديراً للبحوث والهندسة في شركة غوغل الشهيرة ، وعندما يتحدث الرجل علينا أن نتوقّع تحقق رؤيته على أرض الواقع فهذه الشركات تعرف كيف تبذل الكثير من المال والجهود الخلاقة لإنضاج الأفكار وجعلها ممكنة التحقق ، ورصيدُها في مثل هذه الإنجازات حافل بجلائل الأعمال التي تستحقُّ الثناء والتقدير من جانب المستخدمين ( ونحن منهم ) .
ماذا نحن فاعلون إزاء مرحلة ( مابعد الإنسانية ) هذه ؟ صحيح إن العديد من بلدان العالم قد لاتكون مساهمة مباشرة في هذه الثورة الرقمية ؛ غير إنّ الأهمّ هو أن نعرف كيف نتعامل مع نتائجها ومفاعيلها : كيف سنتعامل مع حقل التعليم الذي سيشهد ثورة جذرية تعيد تعريف دور كل من الطالب والأستاذ والبيئة التعليمية ؟ كيف سنتعامل مع فرص العمل التي ستشهد ولادة أعمال جديدة مثلما ستشهد إختفاء أعمال أخرى ؟
الأسئلة كثيرة ، والتحديات عظيمة ، وثمّة إستقطابٌ جديدٌ سينشأ ليمعن في تكريس سطوة المتحكّمين بأقدار الشعوب ؛ بل وبمصير النوع البشري أينما وُجِد.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

هل ستعيد التشكيلة الوزارية الجديدة بناء التعليم العالي في العراق؟

العمود الثامن: معركة كرسي رئيس الوزراء!!

العمود الثامن: من كاكا عصمت إلى كاكا برهم

العمود الثامن: عبد الوهاب الساعدي.. حكاية عراقية

السيد محمد رضا السيستاني؛ الأكبر حظاً بزعامة مرجعية النجف

العمود الثامن: يزن سميث وأعوانه

 علي حسين منذ أيام والجميع في بلاد الرافدين يدلي بدلوه في شؤون الاقتصاد واكتشفنا أن هذه البلاد تضم أكثر من " فيلسوف " بوزن المرحوم آدم سميث، الذي لخص لنا الاقتصاد بأنه عيش...
علي حسين

كلاكيت: مهرجان دهوك.. 12 عاماً من النجاح

 علاء المفرجي يعد مهرجان دهوك السينمائي مجرد تظاهرة فنية عابرة، بل تحوّل عبر دوراته المتعاقبة إلى أحد أهم المنصات الثقافية في العراق والمنطقة، مؤكّدًا أن السينما قادرة على أن تكون لغة حوار، وذاكرة...
علاء المفرجي

فـي حضـرة الـتـّكـريــم

لطفيّة الدليمي هناك لحظاتٌ تختزل العمر كلّه في مشهد واحد، لحظاتٌ ترتفع فيها الروح حتّى ليكاد المرء يشعر معها أنّه يتجاوز حدود كينونته الفيزيائية، وأنّ الكلمات التي كتبها خلال عمر كامل (أتحدّثُ عن الكاتب...
لطفية الدليمي

سافايا الأميركي مقابل ريان الإيراني

رشيد الخيّون حصلت أكبر هجرة وتهجير لمسيحيي العراق بعد 2003، صحيح أنَّ طبقات الشعب العراقي، بقومياته ومذاهبه كافة، قد وقع عليهم ما وقع على المسيحيين، لكن الأثر يُلاحظ في القليل العدد. يمتد تاريخ المسيحيين...
رشيد الخيون
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram