من يشدّهُ الحنين الى معاينة أخلاقية وفنون التعذيب التي كانت تمارسها أجهزة النظام السابق الأمنية والمخابراتية، فليدخل التوقيف لبضعة أيام في أيّ مركز من مراكز الشرطة في الوسط والجنوب اليوم، هناك، سيكون بمقدوره أن تسخر، وإن أردت فليشتم كل من يقول لك إن البعث ككفرة وممارسة قد انتهت في العراق، لا بل ستزيد قناعته بأن ما يُمارس داخل المراكز هذه فاق التصورات والأخيلة.
كنت في زيارة لأحد الضحايا، الخارجين من مركز للشرطة، رجل من عامة الناس، يعمل موظفاً في إحدى الوزارات، لم يمض على تعيينه سوى سنيات ثلاث، استدعي من قبل جهة أمنية ما، وهي كثيرة، فذهب بقدمه. ومن هناك، أودع التوقيف في مركز شرطة.... وبعد أربعين يوماً خرج ليحدثنا عما شاهده وعاينه عن قرب، لم يتحدث بإسهاب عن النوم على جنب واحد، ولم يطل حديثه عن معاملة الشرطة أو أساليب الإهانة التي تعرض لها، فهذا مما لا ينكره أحد على أحد، لكنه كان شاهداً على قذارة الأساليب والممارسات المتبعة داخل التوقيف.
في المركز ثلاث أو أربع سلطات أمنية، لكنه لم يذكر أيّاً منها بحسنى، ولم ينزّه جهة ما، ذلك لأنهم جميعاً يتفننون في الإيذاء والسخرية والشتم والابتزاز، فالتلفونات الذكية، التي حاولت هيئة النزاهة العثور عليها بين فرش وملابس الموقوفين، اختفت بقدرة قادر، وباءت محاولات رجال النزاهة كلها بالفشل، ذلك لأن التلفونات هي بالأصل عائدة الى رجال الشرطة، في المركز نفسه، وهم يتقاضون عن كل مكالمة، لا تتجاوز الدقيقتين، يجريها الموقوف مع أهله عشرة آلاف دينار، وأنّ الشرطي يصعد سطح المركز ويحرّك طبق التلفزيون عن موضعه، فتختفي صورة الجهاز ذلك لأنه سيتقاضى عن عودتها ثمناً، وسيكذب عليك من يقول لك إن غرفة التوقيف خالية من الهواتف والرامات والمشارط ، فهم (يعلمون) أين يخبئ الموقوفون رامات السكس وحفلات الرقص.
لا تعتقد بأن الموقوف الذي سيمثل أمام القاضي كان قد أتى دون أن يدفع مبلغاً للشرطي الذي سيصحبه الى المحكمة، ولن تصدق إذا قيل لك إن لكل حركة داخل وخارج المركز ثمناً، فنفرات الكباب والسكائر والهدايا من ذوي الموقوف لمأمور المركز شيء لا خلاف عليه، وإذا كنت بحاجة الى توقيعه في أمر ما يطلبه القاضي، فعليك أن تجد البحث عنه بين أفراد الشرطة، فهم سيقولون لك بأنه خرج من المركز إذا كان الدوام صباحياً، وسيقولون لك بأنه نائم، في المساء، وفي الحالين سيتوجب عليك أن تدفع، واختفاء وثائقك التي أودعتها عندهم، وطلبك إياها بعد خروجك بريئاً، قضية لا تتوقف طويلاً عندها، فهي من متطلبات الدفع أيضاً، تركها لديهم وذهابك لاستحصال وثائق (بدل ضائع) أهون عليك.
يجلس الموقوف (س) في ركن من الموقف، هو متهم بقضايا دعارة، تهريب قحاب الى الخارج، تعاطي ومتاجرة كريستال وقتل، لكنَّ جيبه المملوء بالدفاتر جعله السيد في الموقف، الشرطة تحترمه ومأمور المركز يستلطفه، يأتيه الطعام من المطاعم الفاخرة ويطعم الشرطة ومأمورهم ولا يتعرض للتعذيب ولا يشتمه أحد. أما أبن أحد كبار المسؤولين، المتهم بقضايا كبيرة، فقد ظل خارج غرفة التوقيف. ولأن كاميرات المراقبة لا تصل غرفة التواليت فقد تناوب الشقاة من الموقوفين، الذين انقسموا فريقين، على اصطحاب الصبي (الجرو) بتعبيرهم الى هناك، ومن ثم لتخرج المشارط من الفريق هذا على الفريق ذاك، ولتمسي غرفة الموقف على ما أمست عليه . فهنيئاً لنا بالتغيير.
قناطر : صورة جانبية لغرفة التوقيف
[post-views]
نشر في: 3 مارس, 2018: 07:24 م