الأربعاء، 16 إبريل 2025

℃ 20
الرئيسية > أعمدة واراء > منطقة محررة: المقاوم هذه المرة إلى ... أبو حالوب

منطقة محررة: المقاوم هذه المرة إلى ... أبو حالوب

نشر في: 6 مارس, 2018: 06:26 م

لم يبق أحد أميناً للنادي القديم، إلا صمد الدين محمدونوفيك، ليس لأنه رجل عنيد، إنما لأن الأمر بالنسبة إليه له علاقة بفلسفته للحياة، من الصعب عليه تخيل حياته دون المكان القديم، صحيح إن بقية زملائه انتقلوا إلى مكان آخر، إلى الجزء الشمالي من المدينة، الحي القديم، إلا أنه أكثرهم مواظبة على المجيء هنا، هذا هو ديدنه مع كل علاقاته القديمة، ليس بما يتعلق بهذا المكان وحسب، بل بالمدينة كلها؛ فرغم المصائب التي حلت بالناس، وبزملائه من كل الطوائف، بالرغم من التراجيديا الشخصية التي عاشها هو ذاته : سقوط زوجته قتيلة بنار أحد القناصين، وموت ابنته الوحيدة بحادث سيارة، وهجرة معظم أفراد عائلته ، إلا أن القاص والروائي صمد الدين محمدونوفيك يشعر بأن جذوره في هذه المدينة، كلا لا يريد الذهاب إلى مكان آخر. في الحقيقة يصعب عليه الانفصال عن إنسان أو عن شيء ارتبط به أبداً، الانفصال يعني له الموت، وهنا، كلما عاد للمكان القديم، يشعر بأنه ليس الوحيد الذي لم يمت، إنما المدينة أيضاً.
المكان الذي يعني لمحمدونوفيك الكثير، والذي زارته مجموعتنا (وفد اتحاد الإعلام الألمان)، هو "نادي الكتّاب في ساراييفو"، المتكون من صالة شتوية كبيرة وحديقة خلفية جميلة ( ذكرني شخصياً بمبنى اتحاد الأدباء في بغداد قبل إطباق الكوارث على البلاد العراقية هناك)، والذي يقع على بعد عشرين متراً من فندق "الهوليدي آن" ومبنى البرلمان السابق في ساراييفو. "الهوليدي آن" الذي كان مكان الصحفيين والوفود الأجنبية إبان حرب البوسنة والهرسك، وعلى مدى سنوات حصار ساراييفو الثلاث، أعيد ترميمه الآن، على عكس مبنى البرلمان، الذي ما زال بدون ترميم، يقف شاهقاً مثل هيكل عظمي.
في تلك الأيام ورغم القصف الشديد، لم يتوقف أدباء البوسنة والهرسك المقيمون في ساراييفو من اللقاء هنا في ناديهم. وفي الصالة الشتوية، التي تجولنا فيها بصحبة أيريش راتفيلدير، الصحفي الألماني المشهور، مراسل التلفزيون في دول البلقان، شاهدنا عشرات الصور التي تؤرخ جلساتهم تلك، أيام الحصار. نوع من العناد الإنساني، أو الجمالي كما أطلق عليه بيتر فايس في ملحمته المشهورة "أستيتيك المقاومة". الإصرار على العيش والصداقة واختراع الأفراح الصغيرة، والكتابة عن كل موضوع تريد الحرب قتله، تلك هي وسائل المقاومة التي يملكها الكتّاب في هذه الأزمان.
في المكان ذاك، جلس كتّاب ومثقفو ساراييفو، يتقاسمون مائدة يأس واحدة، يكتبون ملحمة ساراييفو ضد القوميين، الغزاة واللصوص والمجرمين؛ كانوا يمثلون كل القوميات والطوائف التي تشكل بلاد البوسنة والهرسك: صرب وكروات وبوسنياك كما يصر البوسنيون على تسمية أنفسهم، والتي تعني ترجمتها حرفياً: العربية (بوشناق)،. ساراييفو كانت بالنسبة لهم مشروع حياة، لأنها بالنسبة لهم خلاصة بلاد البوسنة والهرسك، بلد القوميات المتعددة، وسقوطها يعني سقوط ذلك المشروع، لذلك وقف هؤلاء الكتاب إلى جانب إخوانهم بالمواطنة من سكان المدينة الذين أصروا هم الآخرون على مقاومة الغزاة والعنصريين...." إنهم ذاتهم يشكلون اليوم الحركة الأدبية (ساراييفو 99)، وانتقالهم للمكان الجديد لا يعني تخليهم عن مشروعهم الأصلي، أنه نوع من تغيير المكان"، يقول صمد الدين، ربما لأن النادي كان مكاناً رسمياً لاتحاد الكتاب الرسمي، في زمن يوغسلافيا الشيوعية، وسابقاً، كان من الصعب العثور على مكان بديل، كان عليهم الدفاع عن مشروعهم هناك، اليوم باستطاعتهم الذهاب إلى أي مكان الشباب منهم، من فنانين ورجال مسرح وتشكيليين يزورون مقهى المتروبولس، أما هم فيجلسون في عند "ملايكا"، من النادر أن يزوروا المكان السابق، وحده صمد الدين ظل أميناً لعاداته القديمة، الذهاب الى نادي الأدباء في ساراييفو لا أدري عندما رأته، لماذا تذكرت أبوحالوب؟ فلا لا أظن أن المقاوم ابو حالوب كما عرفته منذ أن ألتقيت بهم للمرة الأولى في بغداد قبل قرابة أربعين عاماً، أو كما رأيته قبل ايام بصورة مع صديق الطفولة والشباب كاظم غيلان، سيغير من مكان جلوسه من مقهى الروضة في دمشق إلى مكان آخر، ولا يهم ما سيحدث لدمشق، لسوريا .... وللعالم.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض اربيل للكتاب

الأكثر قراءة

قناطر: العالم يتوحش .. المخالبُ في لحمنا

العمود الثامن: قوات سحل الشعب

"الحشد الشعبي"... شرعنة التشكيل بوظائف جديدة

كلاكيت: "ندم" وعودة الفيلم الجماهيري

الحاكم بمنظور إمام سلطة الحق

العمود الثامن: المتشائل

 علي حسين أعترف أنّ الكتابة اليومية تتطلب من صاحبها جهداً كبيراً، فصاحب النافذة اليومية مطلوب منه أن يُقدِّم شيئاً يتجاوز ما اطلعت عليه الناس في الأخبار، وشاهدته من خلال الفضائيات، فالعبور إلى جسر...
علي حسين

(50) عاماً على الحرب الأهلية اللبنانية حياةً بين قذيفتين

زهير الجزائري 2 بين القتال والهدنةً القصيرة تغيرت الحياة الاجتماعية. لقد قضى الناس أياماً طوالًا في الملاجئ. نساء ورجال حشروا في مكان ضيق. شبان لم يعرفوا السياسة و ما أرادوا أن يعرفوها انفصلوا عن...
زهير الجزائري

اشكالية السياسة والتعصب تحليل سيكولوجي

د. قاسم حسين صالح المفهوم الشائع عند العراقيين بمن فيهم الكثير من المثقفين ، ان المتدينين يكونون متعصبين والمثقفين متحررين وغير متعصبين ، فهل هذا صحيح ام فيه رأي آخر ؟ لنبدأ بتحديد المفهوم...
د.قاسم حسين صالح

باليت المدى: كرسي مكسور الساق

 ستار كاووش عندَ لقائي ببعض الناس أفاجئ ببعض التفاصيل الصغيرة التي تُشير الى نوع من الكسل واللامبالاة وعدم إيجاد الحلول حتى وأن كانت صغيرة. فرغم إنغماس أحدهم بتعديلِ صُوَرِهِ ببرامج الفوتو شوب كي...
ستار كاووش
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram