TOP

جريدة المدى > عام > عن الحب والحرب في الأعمال الأدبية والفنية

عن الحب والحرب في الأعمال الأدبية والفنية

نشر في: 17 مارس, 2018: 07:58 م

زينب المشاط

يغيب الموضوع العاطفي تماماً عن كل أدبياتنا، أو أعمالنا الفنية أو الثقافية، فلا نجدّ رواية عراقية تناقش موضوعة عاطفية بشكل رئيسي، وقد نجد الموضوع العاطفي غافياً بين بعض سطورها، أو نلمسه في بعض المشاهد في هذا العمل أو ذاك، إلا إننا لانجد أن العاطفة والرومانسية ثيمة اساسية في العمل....
كذلك هي الأعمال الفنية، كالأفلام السينمائية العراقية أو الاعمال الدرامية، فغالباً ما يُناقش الموضوع الأمني أو السياسي أو الاجتماعي، إلا أن المادة العاطفية تختفي تماماً عن العمل...

أتساءل أحياناً هل هذا الغياب العاطفي الذي تُعاني منه أدبياتنا أو فنوننا، هو واحدة من الاسباب التي أدت لمجتمعنا وأفكار شبابنا أن تكون أفكار مادية بعيدة عن العاطفة؟ حتى صار الحب والعلاقات المبنية على العاطفة مُسندة الى قواعد وشروط مادية معقدة الهدف منها تأمين مصلحة كل طرف وفق مبتغاه؟ على عكس ما نلتمسه في الزمن القديم حيث كانت روح العشق كافية لتأسيس حياة وبيئة صحية كاملة للفرد ... ولأن الحياة تكاملية بطبيعتها، فيمكن أن نربط الغياب في الموضوعة العاطفية الذي يشهده الفن والادب والثقافة بشكلها العام، بالغياب الأخلاقي والانساني والعاطفي الذي يشهده المجتمع العراقي بشكل عام، "المدى" تحاول أن تُسلط الضوء عن مسببات هذا التغييب أو الغياب للموضوعة العاطفية عن الادبيات والفنون....
الحرب والحب متناقضات تماماً، المخرج والممثل السينمائي جمال أمين يجدّ أن هذا التساؤل "أي غياب الموضوعة العاطفية عن الفن والثقافة" مهم جداً، ويقول " لغة الحرب هي السائدة في العراق فالمزاج العراقي والاغنيات، والفن التشكيلي والمسرح والسينما جميعها منذ السابق وخاصة بعد 2003 الثيمة الرئيسة لكل الموضوعات أصبحت الحرب."
البهرجة التي تعكسها أفلام الحروب، ورغبة المُتلقي في معرفة ما لم يعشه من واقع حرب يقود المخرجين الشباب لانتاج هكذا أفلام، ويذكر أمين" افلام الحرب فيها بهرجة وانبهار وتأثير قوي على الناس الذين لم يشهدوا هذه الحرب في الواقع، على سبيل المثال حين يقدم شاب فيلماً عن الموصل سيتولد فضول لدى المشاهد أن يشاهدوا ما حدث في الموصل من خلال فيلم لأنهم لم يعيشوا الواقع وإن كان الفيلم ليس جديراً للمشاهدة، لهذا نرى اغلب الشباب اتجهوا لهذه الاعمال للحصول على مشاركة وجوائز وسمعة."
أغلب الجهات الانتاجية في العراق هي جهات مدافعة عن الحرب كما يشير الى جمال أمين أن" هذه الجهات غير معنية بالجمال والحب ، و هدفها توثيق بطولاتها لهذا لاتعمل على أنتاج أعمال فنية معنية بالحب، كذلك هي القنوات العراقية فهي وجدت لتبرير وتمرير أعمال السياسيين ومصالحهم وليس همها إشاعة حب ومعرفة وإشاعة السلام، القنوات شاركت في إشاعة الكراهية وتدمير المواطن العراقي وساهمت في خلق فجوات كبيرة بين الأفراد."
نحن بحاجة الى مخرجين لهم باع طويل ومعرفة جمالية لانتاج فيلم جيد، وليس هذا فحسب، فغياب المؤدّين"الممثلين" واحدة من النقاط التي باتت توقعنا في فخ غياب أي عمل فني حيث يذكر أمين" لدينا اشكالية بالممثلين والممثلات، وخاصة الممثلات حتى من يوجدن في الساحة من ممثلات لم يأتين عن طريق الأكاديميات والجامعات أغلبهم جاءوا بطريقة عابرة."
أمين يؤكد أن "الموضوع مؤلم وطويل وكبير ، المواطن العراقي الآن بحاجة لأفلام الحب لأنها تقوم بإشاعة السلام في داخل الفرد، كما أنه يجعل المرأة تصبح بموقع آخر غير ما هي عليه، ذلك أن غياب العاطفة عن موضوعاتنا انعكس اجتماعياً وجعل المرأة والرجل في المجتمع العراقي ميّالون للاستفادة من خدمات الحب، فهو يتزوجها لاغراض جنسية إضافة الى خدمته وانجاب الاطفال وهي تتزوج للخلاص من المجتمع واحاديثه ونظرته لها."
أما على الصعيد الدرامي، وبعد عام 2003 على وجه الخصوص وظهور عدة قنوات فضائية ، والاهتمام بالدرجة الاولى بأيدولوجيا المحطة قاد الى إنتاج أعمال فنية متناسبة القيم الجمالية، يذكر جاسم "إن الفضائيات لم تُعير اهمية لما يقدم من قيمة جمالية وفنية والتركيز يقع على ايدولوجيا المحطة، إلا أن هنالك نسبة قليلة ممن استطاعوا أن يقدموا أعمالاً ترفيهية تفاوتت مستوياتها الفكرية من خلالها أيضاً ايصال أفكار واجندات للمجتمع."
أما عن غياب العمل الفني الرومانسي عن الشاشة العراقية يجد جمال عبد جاسم " إن السبب بالدرجة الاولى يعود للتوجه الديني الذي طرأ على المشهد في المجتمع العراقي، فمن خلال قراءة بسيطة للمشهد الفني وما يقدم من أعمال خطابية مباشرة ومؤدلجة نستطيع أن نعرف سبب غياب العمل العاطفي، إلا من خلال خطوط بسيطة داخل الاعمال التي هي بالدرجة الاساس تحمل اجندات سياسية وهذا هو المطلوب منه ففي بعض الاعمال شاهدنا الخط العاطفي الرومانسي ولكن العمل بالاساس هو عمل ذي قضية سياسية."
أيضاً عدم اتاحة الفرصة للفنان العراقي للمشاركة بأعمال عربية، وعدم تقبل الفنان العراقي من قبل الفضائيات العربية واحدة من الأسباب التي وضعها المخرج جمال عبد جاسم لغياب الطابع العاطفي من الاعمال التي قدمت بعد 2003 على وجه الخصوص ويذكر جاسم "إن عدم تقبل الفنان العراقي في الشاشات العربية كان سبباً بعدم خروجه من محيطه الفني المؤدلج إسوة بالعمل الفني السوري أو المصري حيث أن هنالك فسحة من الحرية بانتقاء الموضوع القصصي في العمل وليس محدد من قبل الفضائيات كما يحدث في العراق، اضف الى ذلك غياب شركات الانتاج للاعمال الدرامية."
مشكلة الفضائيات في الدراما هي التي حددت نوعية العمل الفني المقدم، الاكاديمي سعد عزيز عبد الصاحب أكد على هذه النقطة وقال "إن القنوات الفضائية فرضت على الكاتب الدرامي شكل العمل الذي تريده، لهذا يتم اختيار موضوعات امنية وسياسية ويقدم الكاتب هكذا اعمل وفق سياسة القناة."
بعد انحسار الانتاج الدرامي تغيرت البوصلة، وبدأ العمل الدرامي يحاول المنتجين الانفتاح على كتابة نصوص ذات موضوعات رومانسية وجمالية، لأغراض التسويق كما ذكر عبد الصاحب.
أما بالجانب الآخر، أي على صعيد الادبيات، والتي هي الاساس أصلاً لتقديم موضوعات فنية، يذكر القاص والروائي حسب الله يحيى أن "الأدب يشهد مناقشة العديد من الموضوعات العاطفية، ففي آخر عملين وهما "الساخر العظيم" لامجد توفيق، و"بستان الياسمين" لناطق خلوصي" نجد أن الادب العراقي يقدم أروع القصص العاطفية، وإن الرومانسية حاضرة بشكل قوي في ادبياتنا."
الجانب العاطفي لا يُمكن أن يُغيّب أدبياً، يذكر يحيى " ان العاطفة أدبياً موضوعة تهم جميع الفئات العمرية، كما أن القصص التي تتناول الجوانب الحياتية اليومية لاتخلو من الموضوعات العاطفية التي تسمو بالانسان الى الفعة والكمال، ذلك ان الثيمة العاطفية تغني الجوانب الانسانية والفكرية العيمقة."
انطلاقاً من مفهوم "أن علاقة الحب تبدأ من العقل قبل القلب" يجد يحيى " أن نضج العاطفة لدى كلا الجنسين تكمن في وعيهما وليس في تغييب الوعي، وبهذا فأن الادبيات والثقافة والفنون تناقش بشكل لا بأس به موضوعات العاطفة."
اشتغال الاديب في موضوعات سردية معينية تشير الى أن تلك الموضوعات هي المهيمنة الاساسية في تشكيل الرؤيا الكتابية التي تتمخض عنها، الروائي وارد بدر السالم يذكر "إن جميعنا اشتغلنا بسرديات الحرب منذ الثمانينيات وحتى اليوم وهي ظروف حاكمة وضاغطة على الجميع، حيث بقي المجتمع العراقي ومايزال تحت هذه الهيمنة الكارثية وما خلفته من نتائج انسانية فظيعة على مستوى الافراد والجماعة."
إن اغفال الجوانب الاخرى على حساب موضوعة الحرب ليس قصديا كما يذكر السالم ويقول "للحرب تأثيرات مباشرة على البنية النفسية لنا جميعاً واعتقد ان الحالة الرومانسية والعاطفية ليست غائبة كلياً عن المشهد السردي العراقي بل كانت الوجه الآخر الذي يقف ضد الحرب ويبرز روح الحياة التي يجب أن يكون المجتمع فيها على قدر من الجمال والحرية والتواصل مع العالم."
الكثير من الروايات العراقية أبرزت الجانب الآخر المضيء في الحياة ولم تتنكر له أو تغفله أو تتوارى عنه، فالعاطفة الانسانية حاضرة والخيال الواقعي يتردد صداه في مجمل السرديات العراقية، إلا أن وعلى ما يبدو حيثما يحاول الأديب أو كاتب السيناريو تقديم عمل ابداعي عاطفي تعمل شركات الانتاج والقنوات الفضائية على محوه وانتاج موضوعات حرب.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

النوبة الفنيّة أو متلازمة ستاندال

علاقة الوعي بالمعنى والغاية في حياتنا

تخاطر من ماء وقصَب

يحيى البطاط: الشعر والرسم طريقان لمعرفة العالم، أو لتسكين الذات

موسيقى الاحد: كونشرتو البيانو الثالث لبيتهوفن

مقالات ذات صلة

"جـِيُــــو بُــونْـتــِي"" src="https://almadapaper.net/wp-content/uploads/2025/03/5862-7.jpg">
عام

"مُخْتَارَات": <اَلْعِمَارَةُ عِنْدَ "اَلْآخَرِ": تَصْمِيمًا وَتَعْبِيرًا >"جـِيُــــو بُــونْـتــِي"

د. خالد السلطاني معمار وأكاديمي * الى حسين حربة تعيد سيرة "جِيُو بُونْتِي" (1891 – 1979) Gio Ponti المعمار الايطالي المعروف مصائر سير نخبة المبدعين الايطاليين، خصوصاً فيما يتعلق بتنويعات الابتكار وتشعب اهتماماتهم وبراعتهم...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram