TOP

جريدة المدى > عام > جماليات الفن وحقيقة الحياة

جماليات الفن وحقيقة الحياة

نشر في: 19 مارس, 2018: 07:04 م

 ناجح المعموري

كشفت تخطيطات الفنان عبد الكريم السعدون عن فضاء ثقافي متعدد ومتنوع ، لأن الجغرافيات مفتوحة باعتبارها موقفاً معبراً عن حصول إمكانات للتشارك مع الوافد ، لكن هذه التنوعات تفرز كثيراً من إشكالات ، تعيش طويلاً وتمارس ضغطاً على الفرد الذي يتمرد لاحقاً على محيطه ، وتتسرب لنا دلائل الاحساس بالاغتراب ، وتكبر القطيعة بين الفرد ومحيطه الثقافي غير المستقر .
وكل التخطيطات التي انجزها السعدون ونشرها واكتفت بما انطوت عليه من اضاءات بليغة وعميقة عن محنة الفرد في العلاقة مع الآخر لكنها لم تتكتم عن خلايا الجمال الجاذبة للمتلقي والمكشوفة في مرايا السعدون التي قادت تصورات المبدع وعلاقته بالامتحان في فضاء لا وجه له ، فغياب الوجه يعني ضياع العلاقة بالمرآة ذات الحضور الحيوي بالنسبة للاخر . وقد عرفها الكائن العربي منذ حقب بعيدة جداً وللجاحظ مقولة شهيرة قال فيها : مرآة الغريبة مجلوة . فالانسان المعاصر محاصر ، وملاحق يبتنوعات الفضاء الذي هو فيه ، بينما المفترض أن تكون نتائج حضوره في المكان المختار مغايرة تماماً . كل هذه التشوهات المحاصرة للكائن وسط تفاصيل هويته المركزيية ، تعامل معها الفنان عبد الكريم السعدون ببلاغة ورمزية عالية ويقظة تخيلية ، تقود الفرد نحو استقرار ، حتى لو كان مؤقتاً . وفي توفير فرصة للاحساس بالجمال النيتشوي الذي يعيد حركة الشعور باللذة الايروتيكية تي لا تهدأ هناك .
نجح الفنان السعدون بقيادة المتلقي للاستمتاع الرفيع بالحواس بوصفها معياراً للجمال بمفهوم ادورنو ( ومن ثم فالاعمال الفنية الحقيقية تحوي عنفاً خطراً يهدد الشكل القائم للوجود ، ذلك لأن الطابع الحسي للجمال يوحي بشكل مباشر بالحصول على السعادة من خلال الفعل وليس من خلال التأمل النظري للوجود )
الاشارات الدالة على التمرد واضحة بين الافراد والنظام المؤسساتي المحكوم بضبط ظاهرة ، جعل من الفرد ضمن الكينونة المثلومة بقوة الرأسمال يندفع وسط فضاء متآكل في معاييره القيمية وموروثاته ، وتعويض كل ما هو مطرود ثقافياً بضغط وسائل الإعلام ، التي تحاول باستمرار من أجل الايحاء لوجود نوع من القبول والرضا بما هو سائد ومحاولة تغليف السواد بما يوحي بالبياض بمعنى حصول ما يشبه التزوير على الحقائق كما هو ادورنو .
وما قدمه عبد الكريم السعدون من حضور للبهلوان للذي حطم سياق الوجود وعلاقة الموجود به ، لذا تبدى واقفاً على رأسه ، رفع ساقيه للأعلى . هذا الفعل ينطوي على معرفة لما هو حاصل في محيط غير سليم ، وكأن اللامعقول الفني تأكيد غرائبي حياتي ، غير قادر على الاستكانة ، بل كشف عن اختلال العلاقة بين الفرد والمجتمع . وتنطوي _ أيضاً _ ( على رفض واضح للايديولوجيا التي تفرض وجود تماثل وهوية بين الذات والموضوع وهذا ما اطلق عليه ادورنو بنقد العقل التماثلي ، أو نظرية الهوية والتي ترى إن هناك تماثلاً بين الذات والموضوع أو تطابقاً بينهما والتي اعطاها هيغل مشروعيتها الفلسفية ) .
يعني هذا تحقق الانفصام بين الذات والموضوع وحصول شرخ ثقافي واجتماعي ونفسي كبير بين الكائن ومجتمعه ، بمعنى تخلخل البنى العلاقية الكبرى من اجل حضور بليغ للرأسمال .
مع احتلال المعادلة في لعبة الفرد والكرسي ، تظهر لنا الانثى عارية ، وتكشف لنا ما نعرفه بأنه مكشوف _ وهذا ما أرادته القوى الاجتماعية الكبرى _ وهكذا تعامل معها _ الانثى _ في كل أعماله التخطيطية : أما الحضور الحسي / الايروتيكي _ فأن الفنان عبد الكريم السعدون له خبرة في الكيفية التي تصعدُ بها طاقة الانوثة في الجسد ، من خلال الحركات السريعة الذاتية .

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

النوبة الفنيّة أو متلازمة ستاندال

علاقة الوعي بالمعنى والغاية في حياتنا

تخاطر من ماء وقصَب

يحيى البطاط: الشعر والرسم طريقان لمعرفة العالم، أو لتسكين الذات

موسيقى الاحد: كونشرتو البيانو الثالث لبيتهوفن

مقالات ذات صلة

"جـِيُــــو بُــونْـتــِي"" src="https://almadapaper.net/wp-content/uploads/2025/03/5862-7.jpg">
عام

"مُخْتَارَات": <اَلْعِمَارَةُ عِنْدَ "اَلْآخَرِ": تَصْمِيمًا وَتَعْبِيرًا >"جـِيُــــو بُــونْـتــِي"

د. خالد السلطاني معمار وأكاديمي * الى حسين حربة تعيد سيرة "جِيُو بُونْتِي" (1891 – 1979) Gio Ponti المعمار الايطالي المعروف مصائر سير نخبة المبدعين الايطاليين، خصوصاً فيما يتعلق بتنويعات الابتكار وتشعب اهتماماتهم وبراعتهم...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram