علي حسين
في مثل هذا اليوم من هلة الربيع، كان الشهيد أبوسعيد "عبد الجبار وهبي" يكتب زاويته الصغيرة في صحيفة اتحاد الشعب عن مساحات الأمل: "علمني الحزب أن أرى حريتي وأخلط فرحي بشيء من أحلام الناس" يومها كانت الدنيا أكثر هناءً، لم يكن الهمّ قائماً، والبؤس مقيما، كان هناك وقت ومتسع للأمل، في ذلك اليوم من عام 1960 ينظر أبو سعيد من نافذة غرفته المطلة على إحدى زوايا شارع الكفاح ، مؤمناً بأن هذا الحزب المثير للدهشة لن يكفّ عن صوغ نفسه كل يوم، يختلف أبناؤه على أشياء كثيرة لكنهم يتفقون جميعاً على شغف حبّ الوطن والدفاع عن حريات الناس وآمالهم ومستقبلهم.
منذ انطلاقتهم الاولى قبل 84 عاماً لم يفصل أبناء الحزب بين أنفسهم ووطنهم، فقد ظلوا يصوغون حياتهم وهم يصنعون حرية لوطنهم، والنجوم الذين أطلقهم هذا الحزب العتيد الى صفوف النضال في بغداد والانبار والسليمانية والبصرة وذي قار وميسان وأربيل والحلة والكوت ومعظم طرقات الحياة في العراق، كان بين ألمعهم هذا الصحفي "أبو سعيد" الذي يحمل نفحات حب الوطن كل يوم من خلال موهبته في الكتابة والنضال، إلى كل بيت من بيوت العراقيين.
اليوم تبدو كتابات عبد الجبار وهبي وشمران الياسري وصفاء الحافظ وعشرات مثلهم في استعادتها كأنها نشيد واحد ذو لازمات واحدة تتكرّر: السجن، النضال، حبّ الناس والدفاع عن حقّهم في حياة كريمة ، من عبد الجبار وهبي الذي قضى حياته تحت تعذيب وحشي الى شمران الياسري الذي مات منفيّاً مطارداً في دروب الغربة، كتابات تعلمنا أن نبقى داخل نبض الوطن، في ذاته، وفي وجدانه وأن لا ننصت للهتافات الفارغة لأنها تريد ان تزوّر حقائق التاريخ.
اليوم بعد 84 عاماً ننظر الى الإرث النضالي والسياسي للحزب الشيوعي الذي استمده رجاله من حكايات العراقيين وآلامهم وأحلامهم ومعاناتهم، فقد جاء معظم أبنائه من أسر بسيطة ضربت جذورها في أرض العراق، كانوا مثل كل العراقيين كادحين فقراء مثل الأسى والموت، يتقاسمون خبزهم مع أناس أكثر فقراً، ومن ذلك العالم القاسي.
لا يغيب رجال مثل أبو سعيد وأبو كاطع ، لأنهم كتبوا سيرة حياتهم مطابقة لسيرة وطنهم، قصص ومواقف حياتيّة ستنتقي منها الأجيال ما تشاء، وهي بحرإذا اخترنا السياسة والفكر، وبحار لن تنتهي إذا اخترنا محبّة الناس والدفاع عن قضاياهم.