لطفية الدليمي
ليست قليلةً تلك الكتب المترجمة التي يضع مترجموها على غلافها عبارة ( ترجمة وإعداد ) ، وقد بلغ الأمر عندي مبلغ أن أتحسّب وأتوجّس خيفة من كون تلك الأعمال منطوية على مثالب بسبب ذلك الإعداد الترجمي ، والتوجس عندي مسوّغٌ مشروع لسببين : الأول هو معايشتي الميدانية والمهنية لفضاء الترجمة ومايصاحبها من مكابدات ومشقات مضنية عندما عملت محررة في مجلة ( الثقافة الأجنبية ) العراقية ، وأما السبب الثاني فهو عملي في حقل الترجمة ذاته لسنوات طويلة ، وقد أتاح لي هذا قراءة الكثير من المصنّفات الترجمية والتعرّف على أسماء مترجمين عديدين وأعمالهم ، و تتيح المعرفة المهنية كشف جوانب مخفية يستكشفها العقل المنتبه الذي يقرأ قراءة مدققة هي غير القراءة المسترخية التي يسعى لها المرء بغية المتعة الخالصة .
أعود لعبارة ( ترجمة وإعداد ) العتيدة هذه فأقول : الترجمة فنّ مثلما هي أخلاقيات عمل ، وهي - مثل أية مهنة سواها - تقوم على قاعدة أخلاقيات وأعراف عمل حتى لو كانت غير مكتوبة لكنّها راسخة عالمياً ويعمل الجميع على هدي مبادئها التي لاتقبل الزيغ او الإنحراف و تحمل الترجمة بصمة المترجم وروحه في نهاية المطاف ، وليس ذلك بالأمر المعيب أو المنقصة غير المحمودة ؛ إذ كم قرأنا ترجمات مختلفة لعمل واحد بذاته إختلفت القيمة الترجمية فيه إختلافاً مشهوداً تسبّب في خفوت صيت ترجمة وإعلاء شأن أخرى ، وليس كتاب ( الإستشراق ) للراحل ( إدوارد سعيد ) ببعيد عن الذاكرة !! .
لست معنية هنا بجودة الترجمة وأدوات المترجم التي كُتِب عنها الكثير ؛ وإنما أتوجّه بالتحديد لموضوعة ( أخلاقيات الأمانة الترجمية ) : كلّ كتاب يعتزم المترجم ترجمته هو أمانة ووديعة إستودعها مؤلفه بين يديه ، ومانرجوه من المترجم الحفاظ على هذه الوديعة بأقصى قدراته الممكنة ، ويتحدد حفظ الوديعة في تجنّب الحذف أو الملاعبة أو الإستطراد أو التعبير عن النص المترجم بطريقة يجري معها إسقاط فكر المترجم ورغباته المسبقة على النص المترجم ، وقد يجري الأمر لدى المترجم مجرى التيار الجارف والأهواء غير المنضبطة التي لايستطيع لها دفعاً ، وفي هذه الحالة يتوجّب عليه وضع أمانة الوديعة المترجمة ماثلة أمام عينيه كلّما راوده هذا الهوس الشخصي الجارف في إسقاط أفكاره على المادة المترجمة .
أعود لعبارة ( إعداد وترجمة ) فأجدها قد تنطوي على ( مراوغة ) سايكولوجية وقانونية يّراد التعكّز عليها متى ماوُجِد في النصّ المترجم إختلافات كبيرة تحيد به عن الأصل ، ولعلّ عبارة ( إعداد وترجمة ) في وقتنا الحاضر هي النظير المعاصر الملطّف لعبارة ( ترجمها بتصرّف ) شديدة الوقاحة التي كانت سائدة فيما مضى . كيف يجوّز البعض لنفسه التصرّف بوديعة فكرية بين يديه ؟
قرأت منذ شهور نصاً في كتاب مترجم في حقل معرفي هو في صميم إهتماماتي ، وهالني أن أقرأ في موضع منه حشداً من المفردات التي تذكّرنا بالكتابات النقدية السائدة لدينا ، وعندما عدتُ لمطابقة النصّ المترجم مع النص الأصلي أوجعتني الرخاوة التي تصرّف بها المترجم مع النص ، والكمّ الفاحش من إسقاطاته الذاتية عليه .
الأمانة هي الأساس في الترجمة ، والإضافة مقبولة إذا ماكانت مسوّغة ومؤشّرة بنسبتها للمترجم لأجل إثراء النص ؛ أمّا الحذف والتلاعب والإجتزاء الكيفي وحرف المعنى عن أصله فتلك مثالب مستهجنة مرذولة .