ثائر صالح
قد تكون أغاني التنويمة من أقدم الأشكال الموسيقية التي عرفتها البشرية. فهي ولدت مع تكون المجتمع البشري وظهور اللغة والتواصل بين البشر. وظيفتها الأساسية تنويم الطفل، لكن من وظائفها الهامة الاخرى نقل المعرفة من الأم والأب الى الأطفال وكذلك التعبير عن العواطف وإظهارها، وتقوية التماس والآصرة بين الأم ووليدها. التنويمة معروفة لدى كل المجتمعات بغض النظر عن درجة تطورها، ولا تزال تستعمل حتى اليوم وإن بأشكال جديدة، خاصة مع تطور التكنولوجيا.
التنويمة كشكل موسيقي هي أغانٍ دون مصاحبة في الأصل، وتدخل في خانة التراث الشعبي المتوارث الذي لا يعرف مؤلفه. من بين أمثلة التنويمة اغنية "دللول يَلولد يَبني" العراقية، التي قد تعود بعض أجزائها من نص ولحن إلى أزمان قديمة، لربما الى آلاف السنين. فهي تعود الى تقاليد التنويمة السومرية والبابلية. ترتبط كلمات الليلوة ولِلوّا بالليل والليليث كما هو واضح، إذ أن أصل بعضها أدعية سومرية أو بابلية كانت تستعمل لوقاية الطفل من الأمراض والشرور، أو لشفائه من المرض الذي تسببه الأرواح الشريرة (الليليث كائن شرير ليلي).
ومع تطور المجتمع والفنون ألف الموسيقيون أغاني التنويمة وقد تكون دون مصاحبة موسيقية أو مع مصاحبة، ثم ألف الموسيقيون موسيقى خالصة بعنوان تنويمة. وتتميز التنويمة ببساطة الخط اللحني والايقاع البطيء والتكرار حد الرتابة. تعد تنويمة الموسيقار الانكليزي ويليام بيرد (1540 – 1623) My sweet little baby من الأمثلة الشهيرة. لكن أشهر منها هو عمل موتسارت (كوخل 265) "أه، هل أقول لك يا أمي"، وهو 12 تنويعة للبيانو كتبها موتسارت سنة 1781 أو 1782 استناداً إلى لحن تنويمة فرنسي شهير نشر سنة 1761. واللحن يعرف اليوم بالانكليزية "Twinkle, Twinkle, Little Star" وضعت كلماته الشاعرة الانكليزية جين تيلور (1783 – 1824). نذكر هنا أن أبحاثاً اجريت بينت التأثير الإيجابي لموسيقى موتسارت على نمو الدماغ، مما دفع الناس الى تلقف موسيقى هذا الموسيقار المعجزة.
وربما تكون تنويمة يوهانس برامز (عمل 49 رقم 4) التي عنوانها "تنويمة: مساء الخير، ليلتكم بخير" كتبه سنة 1868 هي الأشهر في العالم الغربي، فلحنها يرتبط بالنوم، ويستعمل في الأفلام المتحركة الكارتون والأفلام بكثرة. وأعاد برامز استعمال اللحن مرة اخرى في الحركة الاولى من سيمفونيته الثانية.
بقي علينا أن نذكر أعمالا اخرى جميلة حملت عنوان تنويمة، من بينها تنويمة تشايكوفسكي (عمل 16 رقم 1) للبيانو وتنويمة بيانو اخرى لشوبان (عمل 57) وثالثة لكلود ديبوسي (ضمن مجموعته للبيانو المعنونة متتابعة ركن الأطفال)، ونذكر كذلك ثنائي الكمان للمجري بيلا بارتوك (عمل 44 رقم 11).