ترجمة / المدى

بتاريخ 10 نيسان 2003، كان السرّاق أول من اقتحم المتحف الوطني العراقي. كادر المتحف تعطّل عن الدوام قبل يومين من تقدّم القوات الأميركية تجاه بغداد. ثم تعرض المتحف لعملية نهب كبيرة استمرت على مدى 36 ساعة مقبلة، لغاية مجيء الموظفين للمبنى مرة أخرى.
وبينما ابدت الهيئة الإدارية للمتحف عن شجاعة وبُعد نظر من خلال قيامها بخزن ورفع 8,366 قطعة أثرية ولفّها وإخفائها بعناية في مستودع المتحف قبل حدوث السرقة، فإنه قد تم الاستيلاء على مايقارب من 15 ألف قطعة خلال فترة الست وثلاثين ساعة تلك.

وبينما تم استرجاع 7,000 قطعة، فإن اكثر من 8,000 قطعة أثرية لاتزال مفقودة بضمنها قطع أثرية يزيد عمرها على آلاف السنين تعود لأقدم حضارات التاريخ الإنساني في منطقة الشرق الأوسط.
عملية النهب هذه اعتبرت من أسوأ أعمال التخريب الثقافي المتعمد في العصر الحديث، ولكن الكثير من تأريخ العراق الحضاري الخصب قد تعرض أيضاً منذ ذلك الوقت لأعمال تخريب ونهب وتهديم على يد تنظيم داعش، الذي حصل على أموال من خلال رواج التجارة غير الشرعية ببيع وتهريب القطع الأثرية المسروقة.
من بين القطع الأثرية النادرة التي لاتزال مفقودة هي عيار وزن حجري على شكل بطّة سوداء يعود تأريخه الى أكثر من 2070 سنة قبل الميلاد، وقد تم استكشافه في مدينة أور القديمة. قطعة أخرى هي عبارة عن إناء مقعر ذهبي محزز، استخرج من المقبرة الملكية في نفس مدينة أور.
تشكيلة الأختام الاسطوانية للمتحف، التي تستخدم لطبع الصور والأحرف على الطين، كانت تشكّل الضربة الأكثر إيلاماً، حيث سهولة اخفائها من قبل السرّاق، وهناك من يستعد لشرائها مباشرة من قبل تجار القطع الأثرية المهربة في الخارج. ومن بين 5144 ختماً اسطوانياً مسروقاً، تم استرجاع نصف العدد تقريباً. وقد تمت إعادة افتتاح المتحف الوطني في 2014 الذي يعتبر الآن كظل لشكله السابق.
بعض القطع الأثرية الثمينة المسروقة من المتحف يمكن تمييزها بسهولة، بحيث لايمكن عرضها في السوق المفتوح مما يثير التوقعات بأنه تم شراؤها من قبل التجار بشكل مباشر. على النقيض من ذلك، هناك عمليات سرقة حدثت من قبل سرّاق محليين غير متمرسين حيث عرضت في بعض متاجر التحفيات نسخ مسروقة، ولكن القطع الأصلية تم تجاهلها.
ردود الفعل الدولية الغاضبة تجاه عملية النهب أدت الى اتخاذ إجراء فوري. أحد البرامج الأكثر نجاحاً، هو بمنح عفو من قبل السلطات أثمرت عن استرجاع ألفي قطعة أثرية بحلول كانون الثاني 2004، وتم وضع اليد على ألف قطعة أخرى من قبل محققين عراقيين وأميركان.
أكثر حالات استرجاع القطع الأثرية في البداية كانت محلية. ومن بين العمليات الناجحة كان باسترجاع تمثال، سيدة الوركاء، الشهير الذي يعود تأريخه الى حوالي 3100 سنة قبل الميلاد، وقد تم استرجاع التمثال من مزرعة قريبة من قبل محققين مستندين الى معلومات استخبارية.
قطع أخرى وصلت الى البلد عقب اجراء عمليات تفتيش دولية (حيث تم الكشف عن وصول العديد من القطع الأثرية عبر عمليات تهريب الى لندن ونيويورك) ومن الأمثلة على ذلك، وضع اليد على تمثال الملك الآشوري، ارجون الثاني، في مدينة نيويورك عام 2008 وتمت اعادته الى المتحف العراقي عام 2015.
وعلى غرار ذلك، تم استرجاع أثقل قطعة أثرية مسروقة، وهو تمثال بدون رأس لملك لكش السومري، حيث وضعت اليد عليه في مدينة نيويورك عام 2006 بمساعدة من تاجر يتعامل بالقطع الأثرية. ويذكر أن كلاً من شرطة الانتربول وجامعة شيكاغو، يحتفظان بقاعدة معلومات عن القطع الأثرية المسروقة من المتحف.
وقد عقبت عمليات السرقة تلك أحداث تدمير متواصلة للمواقع الأثرية والمتاحف في كل من العراق وسوريا وليبيا، حيث قام تنظيم داعش بتوفير المال لشراء أسلحة من خلال بيع القطع الأثرية المسروقة من المواقع التأريخية والمتاحف في تلك البلدان.
جزء من المشكلة المتعلقة بإيقاف التجارة الدولية غير الشرعية للقطع الاثرية المسروقة، هو حجم هذه السوق. في أواخر عام 2017 كشف تحقيق أجرته صحيفة، وول ستريت جورنال، عن أن أكثر من مئة ألف قطعة أثرية معروضة للبيع على الانترنت وبشكل يومي، مبينة بأن 80% منها إما أن تكون مزيفة أو مسروقة.
وقدّر الخبير، نيل برودي، من جامعة اوكسفورد، بأن تكون الأرباح اليومية لهذه التجارة بحدود 10 ملايين دولار باليوم.

عن موقع : ذي كونفرزيشن