TOP

جريدة المدى > عام > ثقافة الأخلاقيات الجديدة

ثقافة الأخلاقيات الجديدة

نشر في: 21 إبريل, 2018: 05:55 م

 ياسين طه حافظ

ما أشاعته الكتابات أدبية أو اجتماعية أو كتابات دينية مباشرة، هو أن هناك في عالمنا المعاصر ثقافات متناحرة أو ثقافة تعمل على إلغاء الواحدة للأخرى، ومن هذه ما كان خطراً على حركة التقدم البشري كلها، بسبب إشغال ناس العلوم والكتابات الإنسانية، بمعارك أو حوارات عنيفة أحياناً، وبالتالي إشغال الناس المتابعين معهم في أمور تبدو إشكاليات مستعصية وغير مجدية، نحن لا ننكر على ناس الأيمان والعقائد الدينية دفاعهم المستميت عن معتقداتهم سواء محبة وقناعة تامة بها أو أنهم يؤدون واجباً شرعياً ملزماً. كما لا نستطيع أن نثني أوساط الأدب والثقافة الحديثة وناس العلوم عن التساهل بمتطلبات الحياة الجديدة.

بعدما شهدنا جبهات متعادية ومساجلات ما اقتصرت على الحجج والبراهين ولكن شبّت بسببها حماسات وانتقامات في الخطاب و بالسلاح !
ابتدأت الانعطافة العقلانية، وقد فرضها العصر وثقافته وتقدمه المدني، ابتدأت بظهور علماء تكلموا عن التديّن من دون روحانية، لكن باحترام لمكانة الطقوس في الحياة البشرية واحترام قيم المجتمع البشري وإنسانية الإنسان، ومن غير حاجة إلى خوارق للطبيعة .. مقابل هذا ظهر رجال دين، فقهاء صفتهم الدائمة هي الحكمة وهدفهم الأبدي هو محبة الإنسان وهدايته إلى الله الرحيم والذي يمنح الناس البركات والسلام الروحي، في الأرض وفي السماء. يمكن احتساب النسبة المتزايدة من اللامتدينين الذين يحترمون العقائد توسعاً لمساحة عدم الانحياز بين الأطراف. هذا يخفف من حدة الخلافات وربما منحها تشتّتاً أو أزاح بعضاً من كثافتها.
المهم أن العدوانية، الهجومية، المصادِرة، أمور لم يعد مرغوباً فيها كثيراً وما عادت عالمياً تجد انصاراً. واضحة سعة الاحتجاجات في العالم والاستنكارات للصدامات الدينية أو المذهبية مما يحصل في بعض من دول أفريقيا وأحياناً في الهند غالباً وفي أقطار آخرى بين حين وآخر.
وجود حركات مدنية بطبيعة دينية، كما هو الحال في الأنثوية الكاثوليكية، والحركة العمالية الكاثوليكية لا ينفي عنها أنها حركات مدنية الأهداف وليست دينية. لكنها لا تريد مغادرة انتماءاتها الأولى، محاولةً منها لإيجاد توازن ما أو لعدم التقصير بحقوق الكنيسة. توجد محاولات اسلامية مدنية مثل هذه، عموماً هم خارج الفضاءات الدينية في العمل ولم يقطعوا صلاتهم بمعتقداتهم الدينية. كثيرون لا يستطيعون قبول فكرة أن دين الله قاصر عن حلول المشاكل الدنيوية الجديدة لسنا في موضع لوم، هي قناعات محترمة لكن عموم الحركة مع التوجهات المدنية الحديثة. درجات المعاصرة عادة تختلف من حركة أو تنظيم إلى حركة أخرى أو تنظيم (تجمعهم مطالب العدالة الاجتماعية وحقوق الإنسان وهي عنوانات مدنية بارزة في العصر. لسنا غافلين عن بعض من الفقهاء المسلمين الذين نلاحظ في خطبهم وتوجهاتهم أفكاراً "حرة" ولهم تفاسيرهم الخاصة للنصوص والأحكام. في المسيحية أيضاً توجد ما يسمى بالرهبنة الجديدة.
لن تغير الحركات الإرهابية من منطقنا لأننا نعتقد بكونها حركات سياسية تقيد من القناعات الدينية الأصولية وترسم أحلامها. ولا أظن بأن مركزياتهم تستمر في حال انقطاع التسليح والتمويل. بقاء أفراد منهم، أمر يحصل في كل الحركات قبل اندثارها الأخير.
عموماً محبة الناس ومحبة الحياة ومراعاة حق الإنسان بعيداً عن جنسه ولونه وقوميته، ثقافة تكاد تكون مقبولة، وإن نظرياً، من جميع الأديان والحركات الاجتماعية. وهذا تقدم كبير في النضال الإنساني من أجل أخلاقية جديدة ضامنة لسلام الناس وأمنهم وحقوقهم. لا أحد ينكر أن هكذا توجه يزداد بازدياد التقدم الثقافي. وما يعجل به أكثر ويوسع منه، ما يمتلكه الناس اليوم على اختلاف سننهم وأوطانهم من أجهزة تواصل ومن ميل للمحبة والتعاون. أرى أن هذا يدعو للفرح والبشرية في الطريق لأن تتخلص من بقايا الاخلاقيات والثقافات القديمة التي أساءت للتاريخ الإنساني وأعاقت التقدم في بلدان كثيرة، أيجاد الصلات واتساع رؤية الأواصر، خطوة أولى. فالدينيون اليوم يأملون بأن تؤدي اكتشافات العلماء، بخاصة في الفيزياء إلى الوصول الأدلة مفرحة لمعرفة الله، ورؤية المزيد من عظمته. ويأمل العلمانيون بأن تقدم المجتمعات كفيل بأن تُسقط في طريق تقدمها ما خلقه تاريخ من الأوهام ... في الحالين ثمة أمل في التقاء الجميع. وأنهم جميعاً يثقون بالمستقبل. ليس هذا بمكسب هين هو أفق جديد يؤمل الجميع بالرضا. ولكي يضمنوا تحقيق هذا الرضا يحتاجون إلى سلام ومزيد من المعرفة بالناس والحياة وضرورات العيش الآمن. وهذه نتيجة تسمح للحضارة باتساع ازدهارها وتضع البشر على الأرض على طريق عقلاني مقبول متمتعين بأخلاقية جديدة ترضي الجميع. أليس جميلاً ومفرحاً أن نسمع هذه الأيام تعابير مثل "نبل الأختلاف" و "جمال تنوع الأفكار" و الجديد العظيم هو "تجاوز الهويات و حدود الافكار و الثقافات إلى جوهر الإنسان وإلى معنى الحياة الذي لا حدود له! عدم حصر الله سبحانه، في معتقداتنا و ثقافاتنا حسب، يعني توسعا في الايمان ويعني احترام المعتقدات الدينية والايمانية الاخرى. تفكير جديد وهي أخلاقية جديدة تهب الاحترام للجميع.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

النوبة الفنيّة أو متلازمة ستاندال

علاقة الوعي بالمعنى والغاية في حياتنا

تخاطر من ماء وقصَب

موسيقى الاحد: كونشرتو البيانو الثالث لبيتهوفن

التقاليد السردية بين الأصالة والأقلمة

مقالات ذات صلة

أدباء: الشعر لم يخل عرشه فما زال يتشبث وأثبت بأنه يحتفظ بالقدرة على التنويع والتجديد
عام

أدباء: الشعر لم يخل عرشه فما زال يتشبث وأثبت بأنه يحتفظ بالقدرة على التنويع والتجديد

علاء المفرجي يرى الكثير من القراء والنقاد انه كان للرواية ظهور واضح في المشهد الأدبي العراقي خلال العقود الثلاث الأخيرة، فهل استطاعت الرواية أن تزيح الشعر من عليائه؟ خاصة والكثير من الشعراء دخلوا مجال...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram