طالب عبد العزيز
هل أخطأنا في تقيمينا لما أردناه كتابةً، ألا ترانا ذهبنا بعيداً في الحلم، ما الذي ظل من حسين عبد اللطيف، هذا الذي أنكر حياته، وذهب مخلصاً للشعر، وماذا عن محمود عبد الوهاب، ذاك الذي كان حجة في اللغة والفكر وإماماً، رائداً في فن القصة، والى أين ذهبت خصومات كاظم الأحمدي مع مهدي جبر، وإلى أين سيمضي كاظم الحجاج بمنجزه، وكم من سكان المدينة، بملايينها الثلاثة يعرف محمد خضير، ومثل هذه وتلك قلناها عن محمد علي إسماعيل وفؤاد الكبان وعبد الخالق محمود ومجيد الموسوي وإسماعيل حطاب وسواهم، وسنقولها بحق آخرين، ما زالوا حتى اللحظة هذه يقاتلون لكي يكونوا، ماذا سيكونون؟
كنت قد قلت مثل هذه ذات يوم، لكن باقتضاب، أترانا ما زلنا نقتفي خطى كافكا وزيفايج ومارلو وفوكنر ومن قبلهم تولستوي وديستوفسكي وديكنز وبلزاك وستاندال، ألا نرى إننا أسارى الوهم الذي تحقق بعظمته هناك؟ نحن أمة ما زال الكتاب واحداً من خصوم أسرها، ما زالت الموسيقى زاداً تعافه أنفس كبارنا قبل صغارنا، نحن أمة ما زالت البندقية في صميم اهتمام أبنائها، مازال الطبيب والأستاذ الجامعي والمحامي والصحفي يتحدث بزهو عن عشيرته، أين نحن، ونم نحن أيضاً؟ يقول فارس الكامل، صاحب مكتبة المعقدين بأن عدداً الذين يسألونه عن دورة المياه أكثر من الذين يسألونه عن الكتاب !! ما الذي تحقق في مدارسنا ومعاهدنا وجامعاتنا وحياتنا مما كتبه عبد الملك نوري وفؤاد التكرلي ومهدي عيسى الصقر وبدر شاكر السياب والبياتي وبلند ويوسف الصائغ ووو ؟ هل بيننا من قال لأبنه: اقرأ (الرجع البعيد) يا بني ؟
يقول أحد الأصدقاء، وهو فنان تشكيلي بأنه أعاد لبيته(محترفه) كل اللوحات التي علقها في معرضه الشخصي السادس، إذ أنه لم يبع واحدة منها، ولم يسأله شخص واحد عن سعر واحدة من لوحاته الخمسين. ومثل هذا يمكننا الحديث عن المسرح والسينما والدراما، هل بيننا يحفظ شيئاً من مسرحية شاهدها قبل عشرين سنة مثلاً ؟ ندعى لمهرجان تقيمه جهة ما خصصته للسينما، ويقف أكثر من ناقد (عالم) ليحدثنا عن تقنيات الفيلم هذا، والمخرج ذاك ودور الممثلة في الدقيقة كذا، في المشهد الفلاني، فنشاركه الرأي، لكن أين نحن من صناعة السينما، بعد مضي أكثر من 70 سنة على تاريخ السينما العراقية؟ ألا نجد أننا نضحك على أنفسنا؟ ولو أحصينا عدد الاطاريح الجامعية التي تناولت المسرح والسينما والرواية والشعر لوقعنا على ما يفوق نتاجنا من ذلك كله، ما الذي يحدث بالضبط؟
صار طيف عريض من مثقفينا شعراء وكتّاباً يستجدون التعليق من هذا وذاك، من أصدقائهم ساعة ينشرون مادة على صفحتهم بالفيسبوك، وتحول الاهتمام من عدد ما يباع من نسخ الكتاب الى عدد الاهداءات، وها نحن، وبعد عقود لم نفلح في ترسيخ حفل توقيع كتاب، ولو جلس محمد خضير -الاسم الأشهر في سرديتنا- بأحد معارض الكتب العربية لن يبلغ عدد النسخ التي يوقعها الـ 100 نسخة، وكنت شهدت بأم عيني واسيني الأعرج، وهو يوقع إحدى رواياته الكبيرة، في معرض بيروت للكتاب، فكان عدد الذين حضروا لا يتجاوز الـ30.