ضحى عبدالرؤوف المل
الفكرة والحدث هما مادة فيلم "الابجدية" او "الحروفيات" للمخرج "كيانوش عبادي" وهدفه اللغة واهميتها في حياة الانسان وخسارتها تعني خسارة المعرفة او خسارة الانسانية بكاملها . اذ تتفاعل اللغة مع الوجود الانساني الذي يمنحه قدرته على المعرفة والاكتساب وفهم الجمال المنبثق من حروفيات كالنجوم الكونية، كما يمنحها التفاعل الايجابي المتعدد الاطر من جمالية حياتية تهيمن على المجتمعات بمكوناتها وقواسمها المشتركة المتماهية مع عناصر الحياة . والابجدية هي اللغة القادرة على بناء الامم، والمكون الوجودي المؤسس لبناء الانسان ثقافيا واجتماعيا وسياسيا وفنيا، وهي الماضي والحاضر والمستقبل ووسيلة الاتصال مع الاخرين حتى لغة الجسد وابجديتها او لغة الحواس المتكونة من مجموعة ايقاعات تشمل كل الفنون او كل الابجديات الاخرى المنبثقة عن الابجدية الحقيقية او الاصلية كالفنون والرقص والايحاءات والحرب والسلم وغير ذلك .
دقائق قليلة في فيلم تحريك يترجم لغة الارتقاء لشعوب تبحث عن تحصين نفسها بالمعرفة الجمالية بشكل عام . فان لم يكن الانسان وعاء الابجدية التي يتشكل منها وجوده المطبوع بابجديته الخاصة او شريط ذاكرته الذي يحفظه من الفناء والاندثار فسد كل شىء. لهذا اعتمد "كيانوش عابدي" على الفن وابجديته في فيلمه المتميز بصريا. ان من حيث الحروفيات او التشكيل الحركي اوالاهتمام باللغات البصرية كافة من حروفيات او فنون تشكيلية ورقص . اي تعبير جسدي او ابجدية الحركة والموسيقى المترجمة للمعنى وللحركة التعبيرية في الفيلم الذي اطلق للموسيقى ايقاعها الابجدي ايضا . ليجمع "كيانوش عابدي" جملة ابجديات في فيلم تحريك هادف للارتقاء بالفكر الانساني نحو لغة البقاء، وهي الفن المحاكي للانسانية التي تتصارع على لغة حروب تأكل الثقافات والمعرفة، وتتصارع مع ذاتها لمحو اللغة او الانسان او الفن بمفاهيمه الحضارية المرسلة من كينونة الوجود او من غموض الالسن، وابجديات البقاء الانساني وجماليته الواسعة بفضاءاته المتخيلة والحقيقبة، التي تضفي المزيد من المعرفة والمفاهيم المتعددة بمكوناتها الاخلاقية ودورها الفني في ابراز اهمية الابداع الخلاق .
قوة الخيال الاستثنائية في فيلم تحريك وضعنا امام لوحات تشكيلية لحروفيات ذات ابجدية تحدد وسيلة الاتصال بشمولية التواصل التعبيري، وبالايماءات والايحاءات والصورة الفنية المتممة للمعنى البصري المشترك بين الامم كافة، وهي النهوض بابجديات المعرفة الاخرى لبقاء الانسان الحي في منأى عن مخاطر الاندثار والفناء ، والاحتراق بالجهل الذي يقضي على لغات السلام او لغات المعرفة التي يحيا بها الانسان، وما تقنية الفيلم الفنية الا تقنية الفن البصري الحركي والتفاعلي مع الحواس بشكل ديناميكي يوضح قيمة ابجدية الفن بشكل عام. وقدرته على محاكاة العالم من خلال معرفته العميقة باثارة دهشة الحس الانساني والدفع لاستكشاف المجهول او استكشاف لغة البقاء المعرفية المتكونة من حروفيات هي الفنون كافة او الحياة المتجسدة بجمالية اللغة او اللسان الحي . فهل نحن امة نسيت ابجديتها واستسلمت للجهل؟
قصة ذات خلفية حروفيات مصممة بنمط تشكيلي ذي ابعاد ثلاثية، وتباين في الالوان يؤثر على كيفية التشكيل البصري وذهنية الحركة المؤثرة سينمائيا ، وهذا ما يقودنا الى حتمية النهاية المرسومة بدقة في الاداء الفني او الاداء التمثيلي للرجل الورقي الذي يسعى الى معرفة يتحول من خلالها الى وعاء انساني يستقطب هذه الابجدية، ويتناغم معها برقصة تعبيرية فطرية الاداء وكونية الفهم . اي هي معرفة المستنير لابجدية وجوده او ابجدية الخلق، مما يحتم المواجهة لمحو الجهل المتبلور بوحش من نيران تشتعل يسعى للقضاء على هذه الابجدية التي اصبحت في الانسان.
مخلوقات ورقية وفكرة فنية جذابة بصريا، ومقنعة بتفاصيلها من حيث الحدث الفني الذي يميل الى توضيح اهمية اللغة في بناء الانسان والحفاظ عليه، وان بترفيه سينمائي. يرتبط ايضا بالقيمة الفنية واهميتها في بناء المهارات الخيالية المؤدية الى الاحتفظ ذهنيا بالمغزى الحقيقي لفيلم الابجدية او لفيلم الحروفيات التشكيلية والحركة البصرية المؤدية الى الانصهار الفني ، وتطلعاته السينمائية نحو جمالية الفكر الانساني الخصب، لتوسيع الابداع الخلاق ومدركات اللغة، ومهاراتها التكوينية في القضاء على المشكلات الاجتماعية بالموضوعات ذات المغزى من خلال انشاء الحروفيات ودورها الوظيفي المرتبط بسعي الانسان لاكتساب المعرفة وان ادى ذلك الى حتفه ، بأسلوب بصري مجزأ وملون، وايضا قادر على التآلف والتناغم مع الابعاد الثلاثية المستخدمة في الفيلم. اضافة الى الموسيقى والنغمات المرتبطة بالشدة والرخاء وقوة الحدث. واهمية الحروفيات في تشكيل الحركة الخاصة للشخصية الورقية المستخدمة في فيلم هو بمثابة قطعة فنية بصرية او لوحات تشكيلية بصرية لحروفيات تقاوم اندثارها او تقاوم الجهل بجماليتها، والمعرفة بأشكالها ومعانيها وقدرتها على بناء المجتمعات الانسانية .
تؤكد اللغة على اهمية الوجود وهي كل ما من شأنه ان يترجم معرفة الانسان بالوجود او الابتكار الخلاق المساعد على فهم جمالية الحياة والسلام بعيدا عن لغة الحروب، وما فيلم الابحدية او الحروفيات الا لغة بصرية مرنة حافظت على منح الحواس المعرفة الفنية الخصبة المؤثرة على الذهن، والقادرة على خلق تساؤلات كثيرة استطاع "كيانوش عبادي" من خلالها كسر الجمود الفني في فيلمه التحريكي، ومنحه روحية الفن المعتمد لغويا على البصر والفكرة التي عالجها كرتونيا بمنطق اللغة ، وقدرتها في مقاومة الجهل من خلال شخصية كرتونية هي المكون الاساسي لفيلم هو الوعاء الفكري والفني له . فهل نيران الجهل في الفيلم تجسد الانحدار نحو الجهل باهمية اللغة ومعرفتها الفنية؟