TOP

جريدة المدى > عام > الرصافي سجين ديوانه

الرصافي سجين ديوانه

نشر في: 6 مايو, 2018: 06:22 م

نوزاد حسن

حين أفتح ديوان الرصافي,وأقلب صفحاته أحس بأني أنظر الى شاعر لم نفهم شعره فهماً جيداً.وأفكر بقضية مهمة وهي هل أن الرصافي أقل شأناً من أسلوبنا في التفكير أم أن حياته بكل معاناتها أعلى من عيون ثقافتنا.وسرعان ما تأتيني الإجابة حين أتصفح ديوانه المقسم حسب الأغراض الشعرية مثل شعره في الكونيات والاجتماعيات والسياسيات والحربيات وما الى ذلك.وهذا التقسيم الجائر يشعرني باني أمام محاصصة من نوع آخر,ففي كل خانة وضعنا جزءاً من وجدان الشاعر ليكون ديوانه عبارة عن كيان يخضع كل قسم منه الى خانته.وفي المحصلة هذا هو الرصافي كما هو في ديوانه.
لكني أقول إن ما عرفناه عن هذا المثقف التنويري هو أقل مما نتصور.إننا كشرقيين نفضل أن نبوّب كل شيء في مكانه كما تفعل الامهات في المطابخ حين يضعن كل نكهة في علبة خاصة قريبة من الأيدي.لا أود تقديم صورة غير واقعية لحديثي لكني أفضل أن اكتشف الرغبة في تصنيف شاعر تنويري بهذه الطريقة غير المبالية.وبلا شك قاد هذا التصنيف الى النظر الى شعره على أنه شعر تقليدي تحدث عن قضايا ومشاكل انتهى زمانها بلغة تقليدية أيضاً.ومن الطبيعي في هذه الحال أن أقول إننا كلما وضعنا تصنيفاً لكل شاعر فإننا سنسيطر على تضاريس الثقافة المتعددة الآفاق.ومن هنا رفضت أول ما رفضت النظرة العامة التصنيفية التي أطلقت على حياة كاملة عميقة متنوعة على أنها حياة مقسمة حسب أغراض الشعر ومواضيعه.كما إنني لم أتحمل هذا الكلام الذي هو بين الصحافة المتدنية وبين النقد الانطباعي الانفعالي حين يوصف الرصافي بانه شاعر محدود يكتب بلغة مباشرة.وبهذه الطريقة صنعنا للشاعر عالماً تقليدياً أيضاً أغفل معاناته وتأثيره الفني في الشعراء من بعده.وكذلك تناسينا دور الرصافي في تهيئة الشباب لإدراك معنى العدالة والحق وكره الظلم والظالمين.
أريد أن أبحث في تدمير هذه الصورة السطحية التي رسمت لهذا الشاعر والمثقف التنويري الكبير.ولعل من أهم القضايا التي اغفلتها النظرة السابقة الجامدة هي خروج الجادرجي من عالم الرصافي الثوري.وفي الرسالة العراقية نستطيع أن نفهم سر ذلك التبجيل والتعظيم الذي كان يتحدث به الجادرجي مع الرصافي كونه استاذه الذي درسه في المدرسة.وحين قرأت ذلك الحوار الذي أجراه الجادرجي مع الرصافي شخصياً عرفت قيمة ما فعله الرصافي,وفكرت كم تساهلنا في دراسة شعره وقيمته كمفكر مهم حاول أن يحرر ذوقنا وتفكيرنا من قيود الروتين القاتلة.
لم يكن الرصافي روحاً حركت رجلاً ليبرالياً ككامل الجادرجي ولكنه كان فناناً حرر القصيدة العامودية من ثقل في الايقاع والمعنى الى مجال رحب لتتسع الى نقد السياسة دون أن يكون هناك رتابة تذهب بقوة النقد الذي توجهه القصيدة للسياسيين آنذاك.
كما كانت رقته,وحنينه المرضي للوطن الذي تحول الى ايقاعات قابلة لاستعاراتها وصياغتها من جديد لتكون قصائد أكثر رونقاً وطولاً.وهذا الأثر الفني الذي لم يدرس بصورة كافية.وربما يتسنى لي الوقت لدراسة هذين الجانبين باستفاضة لاكتشاف ملامح حقيقية لهذا الشاعر الكبير.
لم يكن الرصافي مثقفاً صنعته ظروف احتلال قاهرة فرضت ضغطها عليه وعلى غيره.لكنه كان ثائراً شبيهاً بفولتير في نقده للسياسة,ولرجال الدين الضيقي الافق,وللاقطاعيين ممن ركنوا الى المحتل الانكليزي.
حاول الرصافي أن يقدم بعض أفكاره لمن سيأتي في المستقبل,وقدمها في شكل قصائد ودراسات نشر بعضها في مجلدين.كما كان لدراسته عن الشخصية المحمدية أثر في إظهاره كمثقف يحاول أن يجعل الجمهور يطرح أسئلة فردية تستحق المناقشة.ومع إنني لا أتفق معه في بعض ما قاله في كتابه الجريء جداً ذاك إلا أني فهمت المغزى الذي أرسله الرصافي لنا منذ ثلاثينيات القرن الماضي.وعلينا أن نتوقف عند كل ما قاله وما كتبه,وما نشره من الشعر.أما أن نكرر بعض الأفكار المحددة ونحكم بها عليه فهذا هو الكسل المعرفي الذي لن يطوّر ذوقنا,ولا فكرنا.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

النوبة الفنيّة أو متلازمة ستاندال

علاقة الوعي بالمعنى والغاية في حياتنا

تخاطر من ماء وقصَب

موسيقى الاحد: كونشرتو البيانو الثالث لبيتهوفن

التقاليد السردية بين الأصالة والأقلمة

مقالات ذات صلة

أدباء: الشعر لم يخل عرشه فما زال يتشبث وأثبت بأنه يحتفظ بالقدرة على التنويع والتجديد
عام

أدباء: الشعر لم يخل عرشه فما زال يتشبث وأثبت بأنه يحتفظ بالقدرة على التنويع والتجديد

علاء المفرجي يرى الكثير من القراء والنقاد انه كان للرواية ظهور واضح في المشهد الأدبي العراقي خلال العقود الثلاث الأخيرة، فهل استطاعت الرواية أن تزيح الشعر من عليائه؟ خاصة والكثير من الشعراء دخلوا مجال...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram