TOP

جريدة المدى > عام > بوشكين في العراق

بوشكين في العراق

نشر في: 6 مايو, 2018: 06:29 م

د. ضياء نافع

استلمت رسالة اليكترونية بالروسية من أحد الزملاء الروس بعنوان – بوشكين في العراق , وقد أثارت هذه الرسالة اهتمامي – طبعاً - , إذ إني أتابع موضوعة الادب الروسي في العراق منذ عشرات السنين , وسارعت بفتح تلك الرسالة والاطلاع عليها , وقد تبيّن , إنه يطلب منّي أن أقدّم له استشارة (أو رأيّا) في مسألة مطروحة أمامه الآن حول موضوعة – (بوشكين في العراق) , ويقول في رسالته , إنه وجد بعض المصادر الروسية حول هذا الموضوع , ولكنها – كما يرى – غير كافية كما يجب - بشكل عام - لتغطية هذا الموضوع الكبير , المرتبط بشاعر روسيا الأول وعبر كل عصورها . وهكذا بدأنا الحوار .

قلت له, إن من الضروري أن نحدد – قبل كل شيء – ماذا يعني مفهوم ( بوشكين في العراق ) , وهل يعني ذلك حصر بوشكين في الحدود الجغرافية للدولة العراقية بمعزل عن العالم العربي الذي يحيطها , إذ أن ثقافة العراق متداخلة بثقافة البلدان العربية الأخرى , والكتاب الذي يصدر في دمشق مثلاً عن بوشكين يصل الى القارئ العراقي بعد أيام , وقلت له بأني (وبعض الزملاء الذين أذكرهم لحد الآن من جيلي) طالعنا بالعراق في خمسينيات القرن العشرين مثلاً ترجمة د. سامي الدروبي لرواية بوشكين القصيرة - (ابنة الضابط ) ضمن منشورات ( دار اليقظة ) السورية المشهورة , وأعاد غائب طعمة فرمان ترجمة هذا الكتاب بعد أكثر من ربع قرن , وهكذا صدرت رواية ( ابنة الآمر) لبوشكين في موسكو , فهل نعتبر , أن المترجم العراقي غائب طعمة فرمان هو الذي قدّم للعراقيين رواية بوشكين تلك ( عن طريق موسكو !) , وبالتالي , فان ترجمته تدخل ضمن موضوعة ( بوشكين في العراق ) , بينما تدخل ترجمة الدروبي لنفس الرواية ضمن موضوعة ( بوشكين في سوريا) ؟ ويمكن التوقف عند كتب أخرى حول الادب الروسي صدرت في القاهرة مثلا , واطلع عليها القارئ العراقي , بما فيها كتاب الباحث والكاتب الفلسطيني الكبير نجاتي صدقي الموسوم – (بوشكين ) , الذي صدر ضمن سلسلة ( اقرأ) المصرية الشهيرة في اربعينيات القرن الماضي , وذكّرته بقول طريف كان سائدا في عالمنا العربي يوما ما وهو – القاهرة تكتب وبيروت تطبع وبغداد تقرأ . وبعد (التي واللتيّا) , كما يقولون , اقتربنا من نقطة مشتركة بيننا في هذا الشأن , إذ توقف زميلي عند التمثال النصفي لبوشكين في حدائق كليّة اللغات بجامعة بغداد , و قال إنه واحد من الشواهد المادية والتي لا يمكن تجاهلها في موضوعة ( بوشكين في العراق ) , إذ أن مثل هذا التمثال موجود بمصر والمغرب فقط في العالم العربي , وأشار الى أن المصادر الروسية حول هذا الحدث المتميّز وغير الاعتيادي مرتبكة وغير متناسقة وحتى متناقضة بعض الشيء , وإن مقالتي بعنوان – ( قصة تمثال بوشكين في جامعة بغداد) توضّح كل هذا الارتباك وتجيب عن كل التساؤلات المرتبطة بهذا الموضوع , إلا أن هذه المقالة غير مترجمة الى اللغة الروسية , وبالتالي, بقيت مجهولة للقارئ الروسي المهتم بهذا الحدث , واقترح عليّ أن اترجمها وأنشرها بالروسية , فقلت له انني متفق معه بشأن ذلك , إذ ان التمثال النصفي لبوشكين في جامعة بغداد دخل في دوّامة الصراع السياسي العراقي المعاصر وأساليبه الملتوية و (غير النظيفة ! ) مع الأسف , إلا أن ترجمة المقالة هذه من قبلي خطوة غير متواضعة , إذ تبدو وكأنني أريد أن أمدح نفسي , أو , أن أفرض رأيّاً , وهذه مسألة حساسة ومحرجة أحاول طوال حياتي ان اتجنبها , فضحك صاحبي وذكّرني , ان امثال الشعوب كافة تقف ضد المبالغة في المواقف , وإن تلك المبالغة تؤدي الى نتائج مضادة وعكّسية في كثير من الأحيان , وإن عدم ترجمة هذه المقالة الى الروسية , بسبب هذا التواضع المبالغ فيه من قبلي, هو مثل واضح وصارخ لذلك, وقال إنه ينتظر.
قلت لصاحبي بعدئذ ,إن أحد العراقيين , وهو طالبي سابقاً وزميلي في العمل بجامعة بغداد لاحقاً , واسمه صفاء محمود علوان الجنابي قد أنجز في ثمانينيات القرن الماضي أطروحة دكتوراه في كليّة الاداب بجامعة فارونش الروسية عنوانها – ( بوشكين في العراق ) , وانه جمع هناك المصادر الاساسية التي ظهرت في العراق آنذاك حول بوشكين وأشار اليها , وناقش أفكارها واهدافها , و قلت له إنها اطروحة متميّزة جداً في مضمونها , واقترحت عليه أن يجدها , أو , في الأقل أن يجد موجزها الموجود حتماً في الأرشيف الروسي للاطاريح , ويطلع عليه , وسيجد هناك إجابات عن كل اسئلته , فشكرني على هذا المصدر المهم والجديد بالنسبة له , ووعدني أن يحاول إيجاد هذا المصدر . وبالمناسبة , فانني أتوجه الى د. صفاء في ختام هذه المقالة , واقترح عليه أن يفكر بشكل جدّي بتنقيح أطروحته تلك , و أن يضيف اليها بعض المصادر التي استجدّت بشأن موضوعة بوشكين في العراق , ويقوم بنشرها بالعربية, وأنا على ثقة تامة , إن مثل هذا الكتاب سيكون ناجحاً ومفيداً وطريفاً للقارئ العربي أولا , ولتعميق الموضوعة الروسية وبلورتها في مسيرة الادب المقارن ودراساته في العراق والعالم العربي أيضاً.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

النوبة الفنيّة أو متلازمة ستاندال

علاقة الوعي بالمعنى والغاية في حياتنا

تخاطر من ماء وقصَب

موسيقى الاحد: كونشرتو البيانو الثالث لبيتهوفن

التقاليد السردية بين الأصالة والأقلمة

مقالات ذات صلة

أدباء: الشعر لم يخل عرشه فما زال يتشبث وأثبت بأنه يحتفظ بالقدرة على التنويع والتجديد
عام

أدباء: الشعر لم يخل عرشه فما زال يتشبث وأثبت بأنه يحتفظ بالقدرة على التنويع والتجديد

علاء المفرجي يرى الكثير من القراء والنقاد انه كان للرواية ظهور واضح في المشهد الأدبي العراقي خلال العقود الثلاث الأخيرة، فهل استطاعت الرواية أن تزيح الشعر من عليائه؟ خاصة والكثير من الشعراء دخلوا مجال...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram