TOP

جريدة المدى > عام > حَـــوْلَ الحــبّ .. إعادة إكتشاف الرومانسيّة في عصرنا للفيلسوف الأمريكي روبرت سولومون

حَـــوْلَ الحــبّ .. إعادة إكتشاف الرومانسيّة في عصرنا للفيلسوف الأمريكي روبرت سولومون

نشر في: 15 مايو, 2018: 06:30 م

 لطفية الدليمي

- القسم الثاني - 
تقديم إلى طبعة
( كتب ماديسون Madison Books)
يظلّ الحب (وهنا أعني الحب الرومانسيّ ) واحداً من أكثر الموضوعات إستحواذاً على عصرنا هذا ، وربما قد يجادل البعض أنّ هذا الإستحواذ ذاته نتاجٌ لحقيقةِ أنّنا لطالما سُحِرْنا بفتنة الحب إلى حدّ غدونا معه نعذِّبُ أنفسنا ، كما خلقنا حاجة موهومة يشوبها الإرباك للحب نعجز ربّما عن إدراك كنهها أو الإيفاء بمتطلّباتها . إنّ بعضاً من أعاظم الكثُّاب الذين كتبوا بشأن موضوعة ( الحبّ ) جعلوا من الحبّ صنواً للمحنة المُعيقة ، أو نوعاً من جنونٍ ما ، وربّما حتى مرضاً مميتاً لاشفاء يرتجى له ، ولكن برغم كلّ هذا فإن الحب أمرٌ حقيقيّ حتماً : هو أمرٌ ثمين يمكن بلوغه وحيازته في الوقت ذاته ، ومتى ماعرفنا أن نشقّ طريقنا وسط التيه الضبابي الميتافيزيقي فإن الأساطير المضلِّلة والإستعارات الخطيرة - التي جعلت الحب أمراً مخادعاً - ستنقلب حتماً وستغدو الرومانسية حينها موضوعاً قابلاً للفهم والإستيعاب ومتناغماً تماماً مع حياة عاقلة هادئة وسعيدة معاً . ينبغي التنويه هنا - ومن غير إزاحة أيّ من العواطف الشغوفة العظمى حول الحب والرومانسية - إلى ضرورة أن نتنبّه إلى المديات العالية التي رفعنا إليها هذه العاطفة بذاتها فوق أية عاطفة أخرى يحتويها جهاز إستشعارنا العاطفيّ .
يبقى الكثير ممّا كتِب بشأن الحب ، وبرغم كلّ شيء ، متماهياً مع ماكتِب عن الحب في الثلاثة آلاف سنة التي شهدْنا فيها رسائل الحب والمقالات المطوّلة عنه إلى جانب الشعر الرومانسي ، وإتخذت كلها واحداً من موقفيْن : إمّا موقف غير ناقد ومفعمٌ بحسّ الإحراج من تناول مادة الحب أو موقف ساخرٌ طافحٌ بالمرارة يدافع عن مصالح المرء الشخصية فيما يجترحه من قرار . نحن مُرغَمون في نهاية الأمر على الإختيار بين طائفتي ( المُعسّرون Foggers) و ( المُيسّرون Facilitators ) في الحبّ : إن نظريات هؤلاء تمتدّ على مدىً واسع يبتدئ بالتجريدات الضبابيّة ويمرّ عبر الصواميل والبراغي (إشارة إلى التفاصيل ذات الطبيعة العمليّة ، المترجم) ثمّ يمرّ بالتفاصيل العملية المفرطة لينتهي المطاف به عند مايشبه دروس الحصص المدرسية التي تعمل على تحسين أساليب " التخاطب " والتي يُسمَعُ فيها على الدوام عبارة واحدة قصيرة تتكرّر على نحو متواتر ( تعلّم الإصغاء !! ) - تلك نصيحة ثمينة بلا شكّ ولكنّ مثيلاتها قلّما أزاحت النقاب عمّا تعنيه طبيعة الحبّ وفائدته لنا .
(حول الحب : إعادة إكتشاف الرومانسية في عصرنا) هو مجسّي الشخصي الذي أستكشِف بواسطته هذه العاطفة الأعظم قيمةً بين كل العواطف : وعودُها ، مسرّاتها ، خيباتها ، والمخاطر الملازمة لها . كيف يمكن لنا أن " نجد " الحب ، أم أن الحب أمرٌ نخلقه نحن ؟ لِمَ نجد الأمر متلفّعاً بالصعوبة أحياناً عندما نحبُّ ، أو عندما نبوحُ بحبّنا ، أو عندما نبغي التعبير عن حبّنا بطريقة مقبولة وكافية ؟ لِمَ يمضي الحبّ أحياناً في المسار الخاطئ ، ولِمَ نختار أحياناً الشركاء غير المناسبين لنا ؟ . يُعامَلُ الحبّ غالباً على أنّه لايعدو جائحة حماسةٍ جنسية مرافقة لطور البلوغ ، ولكنّ هذه الخرافة الأسطورية - إلى جانب عدد آخر من نظيراتها المدمّرة - كفيلة بجعل الحب الناضج أمراً يستعصي بلوغه بسبب سوء إدراك طبيعته .
بعد أن نتبيّن وقع خطانا وسط الضباب الميتافيزيقيّ والأساطير المُضلّلة والإستعارات الخطيرة التي جعلت الحبّ يبدو أمراً مُخادعاً ومناوراً عنيداً ، أبتغي التأكيد على أنّ الرومانسية يمكن إدراكها وبلوغها ، وهي أمرٌ متوافقٌ مع حياة عاقلة وسعيدة . الحبّ أمرٌ " طبيعيّ " بالطبع وهو مايعني القول أنه يتبع بيولوجيّتنا (تركيبتنا الأحيائيّة) ولكنّه ينطوي على هيكليّة إجتماعيّة ومسؤولية فردية في الوقت ذاته . إنّ أطروحتي الأساسية هنا هي أنّ الحبّ ينبغي إكتشافه ، وأن يُعادَ إكتشافه من قبل كلّ جيل وكلّ ثنائيّ Couple متحابّ .
يشعر أغلبنا بعدم " إكتماله " من غير الحب ، ولاأعني في هذا الموضع محض الشعور بضرورة وجود ثمّة من يحبّنا بل أعني ماهو أعظم أهميّة للروح وهو أن نُحِبّ نحن حقّاً : هذه موضوعة تغور بعيداً في الأزمان القديمة ، ومثالها الأكثر شهرة هو التسليم الذي أذعن إليه أفلاطون أزاء أريستوفانيس Aristophanes في حلقة أفلاطون الدراسية الذائعة الصيت حيث لم يعُد يفهَم الحبّ بأقلّ من كونه ( إكتمالاً ) لنِصفَيْ روح ماكان في مقدورهما الإكتمال بغير الحبّ . أسعى في هذا الكتاب إلى إستكشاف تلك المواضعة الفاتنة - التي تشكّل مصدراً جاذباً لنا - والمؤسّسة على الإحساس الذي نحاول بواسطته ، وبإعتبارنا أفراداً مستقلين نتمتّع بذاتيّتنا الخالصة ، السعي نحو ( إكمال ) أنفسِنا ، أو لنقل الأمر بطريقة أكثر حرفيّة ودقّة : السعي لإعادة تعريف أنفسِنا مع - ومن خلال - شخصٍ آخر .
في الوقت الذي نعيدُ فيه تعريف أنفسِنا فإنّنا نعمل أيضاً على إعادة تعريف الحبّ ذاته ، ومع الحبّ نعيد النظر في كيفية فهمنا لمفاهيم أساسية وحاسمة مثل : الحميمية ، الإخلاص ، الإنجذاب الجنسيّ ، الرضا والشعور بالإرتواء . يتمحورُ هذا الكتاب كلّه وبإختصار حول ( إعادة إكتشاف الرومانسية لعصرنا ) كأفراد - سواء في ثنائيات أو جماعات - أو كجزء من ثقافة أكبر وأكثر تنوّعاً وترتقي بإضطراد متسارع .
لستُ أعِدُ هنا بأيّ وصفاتٍ من شأنها تسريعُ النجاح في الحبّ ، ولكن يملؤني الأمل بأنّ ماأقوله (في هذا الكتاب) لايبدو موغلاً في التجريد بسبب طبيعته الفلسفية (ولاأبتغي هنا توكيد أيّة إعتذاراتٍ مسبّقة) . إنّ واحدة من المقدّمات المنطقية التي يقوم عليها هذا الكتاب - والتي أؤمن بها بقوة - هي أنّ ماندعوه (حبّاً) لاينهض على محض البيولوجيا الخاصة بنا فحسب بل على سياقاتنا المجتمعية وعلى أفكارِنا أيضاً ، وأجادِل في الوقت ذاته أن مانؤمن به بشأن (الحبّ) يلعب دوراً عظيماً في كيفية تعاطينا مع الحبّ ، أو - وذاك أمرٌ محزنٌ حتماً - مع عدم قدرتنا وفشلنا في الحبّ ، أو الحب بطريقة غير رصينة . أقول ، وبتواضع ، أنّ هذا الكتاب هو جهد فلسفيّ لفهم واحدة من أكثر عواطفنا عرضة للتقلّبات ، كما أقول بإلحاحٍ ، ومن غير تواضع هذه المرّة ، أنّ غايتي من وراء هذا الكتاب هي الإتيان بتغيير ملحوظ في حيوات الناس .
منذ أن نُشِر هذا الكتاب قبل عقدٍ من الزمان أجد نفسي ملزماً بإبداء الشعور بالإمتنان بعد سماعي من الكثيرين بأن كتابي هذا (حول الحبّ) قد عمل حقّاً على تغيير حيواتهم ، كما أجد نفسي سعيداً لأنّ كتابي وجد طريقه نحو الورش الدراسية العديدة والمفيدة التي تتعاطى مع موضوعات مثل الزواج والعلاقات العاطفية في طول البلاد وعرضها (يقصد المؤلّف الولايات المتحدة الأمريكية ، المترجمة) . إنّ هذا هو ماطمحتُ إليه منذ البدء وهو ذات ماأطمح إليه الآن حيث يظهر كتابي بطبعة ثانية وهو في حلّة جديدة .
روبرت سي. سولومون
أوستن ، تكساس

ثمّة سؤال جوهري وحيد ، وذاك السؤال هو : كيف السبيل لإدامة الحبّ ؟
توم روبنز*

لوحة (حياة ساكنة) مع نقّار الخشب
هذا كتابٌ حول الحب - الحب الرومانسي: تلك العاطفة التي لطالما شهدت إحتفاءً بها مثلما طالها الإزدراء الساخر والنقد ، كما سعى وراءها الكثيرون بيأسٍ وتاقوا إليها توقاً عظيماً فكان المتوقع - بالنتيجة - سوء فهمٍ طاغياً لتلك العاطفة ، وإنّ سوء الفهم هذا على صعيدَيْ الفكر والتوقّع يقود إلى تفاقم اليأس والمأساة في الحياة اليومية العملية . عمل أغلبنا ولوقت طويل على تطوير نظرةٍ متناقضة بشأن الحبّ فكانت النتيجة أنّنا بتْنا نجد الحب المستديم مسألةً تنطوي على المخادعة وصعبة المنال بل وحتى أحجية عويصة .

__________
* توم روبنز: Tom Robbins مؤلف وروائي أمريكي ولد 1932 ومعروف بقصصه ذات النكهة الشعرية التي تحوي إشارات قوية إلى المضامين الإجتماعية والفلسفية المؤثرة كما يستقصي في أعماله الحقاق الغريبة وغير المتداولة .
(المترجمة)
يتبع

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

النوبة الفنيّة أو متلازمة ستاندال

علاقة الوعي بالمعنى والغاية في حياتنا

تخاطر من ماء وقصَب

موسيقى الاحد: كونشرتو البيانو الثالث لبيتهوفن

التقاليد السردية بين الأصالة والأقلمة

مقالات ذات صلة

أدباء: الشعر لم يخل عرشه فما زال يتشبث وأثبت بأنه يحتفظ بالقدرة على التنويع والتجديد
عام

أدباء: الشعر لم يخل عرشه فما زال يتشبث وأثبت بأنه يحتفظ بالقدرة على التنويع والتجديد

علاء المفرجي يرى الكثير من القراء والنقاد انه كان للرواية ظهور واضح في المشهد الأدبي العراقي خلال العقود الثلاث الأخيرة، فهل استطاعت الرواية أن تزيح الشعر من عليائه؟ خاصة والكثير من الشعراء دخلوا مجال...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram