علاء المفرجي
تروفو حسب (مايلوس فورمان) قد جسد السينما الفرنسية في نظر عشاق السينما الاميركيين تماماً كما كان (فديريكو فيلليني) بالنسبة إليهم يمثل السينما الايطالية و(انغمار بيرغمان) يمثل السينما الاسكندنافية.. فقد مثل (تروفو بالنسبة للشباب الاميركي انموذجاً مثالياً للحرية والثقافة والاستقلالية خصوصاً بعد عام 1974 حين نال فيلمه (ليلة أميركية) جائزة الاوسكار كأحسن فيلم اجنبي وحقق نجاحاً باهراً في شباك التذاكر.. لكن واقع الأمر لم يكن وردياً ومشرقاً بهذه الصورة لأن نجاحه خارج حدود فرنسا بدا يسيراً مع ان مهنته السينمائية عانت صروف الدهر من حالات اليأس والابتهاج ولم تعرف الاستقرار إلا في السنوات القليلة الاخيرة قبل ان يفارق الحياة مبكراً وبشكل تراجيدي عام 1984 عن عمر ناهز الثالثة والخمسين حيث حقق في افلامه الثلاثة الاخيرة (المترو الأخير 1980) و(امرأة في الجوار 1981) و(أخيراً جاء يوم الاحد 1983) مسيرة متواصلة من النجاحات الفنية والمالية الباهرة.
وعندما نال الفيلم الروائي الاول لتروفو (الضربات الاربعمائة) جائزة أفضل مخرج في مهرجان كان عام 1959 أي بعد عام واحد من منع تروفو الناقد حسب ديفيد نيكولس- دخول هذا المهرجان ورد حينها على ذلك بنشر كتابات عديدة منها : (مهرجان كان.. احدى عشرة سنة من المكائد السياسية والفضائح الدعائية) اعتبر الجميع بأن فيلم تروفوكان دلالة على أن (الموجة الجديدة) التي كان تروفو إضافة الى غيره أحد فرسانها قد انتصرت ونصّبت تروفو زعيماً لها.. وقد نظر العالم الى جماعة (دفاتر السينما) بمن فيهم تروفو وشابرول وجاك دونول فالكروزيه وجان لوك غودار وجاك ريفيت وايريك رومر على أنهم نواة (الموجة الجديدة).. ولم يكف تروفو الناقد والسينمائي أبداً عن الدفاع عن تلك الموجة ومد يد العون لزملائه بدءاً بأيام المجد ولغاية الستينيات باستثناء غودار- والسبعينيات أما من الناحية الفنية فقد صمد تروفو منذ البداية كشخصية غير نموذجية (للموجة الجديدة) تماماً كما أدرك الناقدون المعادون الشيء ذاته.
في بداياته اتجه نحو صناعة الأفلام مكرساً جانباً لمسيرته النقدية وكتابته لصالح المجلة النقدية (دفاتر السينما) منذ عام 1953 وكيف أصبح أكثر نقادها تعنتاً وتشبثاً بالرأي مما اكسب المجلة هويتها الخاصة وسمعتها الهجومية في النقد واصبحت آراؤه محط الانظار من خلال نشرها وتميزه بالصراحة والحديث المباشر حول جوهر الموضوع دون تكلف أو مواربة ، وكانت النتيجة ان كتابات تروفو شقت طريقها الى القراء بشكل اقوى وغالباً ما تميزت مقالاته بسداد الرأي حين تجسدت لاحقاً في مهنته المستقبلية في صنع الافلام فقد كان تروفو يقوم دون دراسة بتحديد نمط الافلام التي أراد صنعها بنفسه من خلال نقد أعمال الآخرين.. ولهذا انفرد تروفو تقريباً بوضع اساس النقد في مجلة (دفاتر السينما) واطلق على هذا النمط من النقد عبارة (سياسة المبدعين) او (سياسة المؤلفين) والتي تبدلت فيما بعد الى كلمة (نظرية) بدلاً من (سياسة) باعتبار أن المسؤولية الأخيرة عن أي فيلم يتحملها المخرج الذي ينبغي أن يبقى صادقاً مع فيلمه وجمهوره وبالتالي مع نفسه.. وغالباً ما وصف تروفو وحسب ديفيد نيكولس- بأنه (فيلسوف مبادئ أخلاق السينما) وهو وصف صحيح بالنظر الى ارائه الاخلاقية الرفيعة حول ماهية السينما ولهذا على الصعيد الشخصي اكتسبت أفلام تروفو وأعماله النقدية وجهة نظر اخلاقية حول العلاقة بين الفيلم والمشاهدين.. ومع ذلك فان أفلامه لا تملي على المشاهدين أياً من خواطره في المسائل الاخلاقية ولا تحتوي على المواعظ أو إثارة عواطف الجمهور بغرض استمالته لأهداف معينة..