طالب عبد العزيز
في بلاد مثل العراق، التي "ليس فيها شيء واحد على ما يرام" بتعبير الإنجليزي ت. أس. اليوت، سيبدو لنا، أنَّ ما أفرزته الانتخابات الأخيرة 2018 بكل سوئها ولا معقوليتها صحيحٌ جداً، إذ من غير المعقول مطالبة مفوضية الانتخابات والكتل السياسية الحاكمة والمسيطرة على مقاليد الدولة بنتائج واقعية، خالية من التزوير، لأن ذلك من شأنه بناء البلاد، وهؤلاء، تقع عليهم ومنذ خمسة عشر عاماً مسؤولية تخريبها، لذا، أجد أن كل شيء جرى على وفق ما رُسم وخُطط له خارج الحدود، وبذلك تكون الأحزاب هذه قد أدت ما في رقبتها من أمانة، وكل حسب ولائه وتبعيته.
يخطئُ من يجهد نفسه مستقصياً أسماء الكثير من الفائزين ليبحث عن درجة القربى بين أفكار أحدهم وعقيدة الكتلة التي انضوى تحت لوائها، فلا عقائد ولا معتقدات ولا انتماءات ولا مشاريع أو برامج توحد هؤلاء، هنالك فرصة من المال والوجاهة متاحة والكل يسعى باتجاهها، أنا والمئات غيري نعرف العشرات من الذين دخلوا الانتخابات هذه ضمن قوائم لا تربطهم بها رابطة ما. السكير المنحرف أخلاقياً في قائمة المصلين، واللص المعلوم في قائمة النزيهين، والعلماني، مدعي الليبيرالية في قائمة الشيوخ العشائريين، والقاعد، الرعديد، الذي لم يعرف عنه أنه حمل بندقية في القتال ضد (داعش) في قائمة المقاتلين، وهكذا.
سنتجاوز المسميات لنعرّف جمهور إحدى المدن العراقية، بأن الذي حصد أعلى الأصوات في قائمة (....) المعروفة بأنها قائمة قادة الحرب ضد الجماعات الإسلامية المسلحة(داعش) إنما فاز بترشيح أفراد قبيلته، أو لنقل طائفته، من الذين يتقاطعون فقهياً وبشكل كامل، مع عقائد وأفكار القائمة وزعاماتها، وليس بفعل بطولاته الاستثنائية في القتال، بل أن واحداً من أبناء قبيلته، الذين صوتوا له لم يحمل بندقية للقتال هناك، لكن الولاء للطائفة والعشيرة يوجب انتخابه، لذا حصدت القائمة الأصوات التي لم يحصل عليها المقاتلون الفعليون أنفسهم فيها بفعل الشيخ هذا، بفعل اتباعه الذين صوتوا له، لا لشيء إلا لأنه شيخهم وزعيمهم في الهيجاء.، بمثل المبادئ هذه تكون الديمقراطية في العراق قد بلغت شأوها الذي أريد لها.
وهذا لا يعني بأن ساحة الانتخابات حكر على مثل هذا وذاك، أبداً فأنت تجد الوطني المخلص، والمهني النبيل والضابط الشجاع في القائمة السوء، ذات التاريخ الأسود في الفشل والفساد، ومثل هذه تجد الذي لم يقدم للعراق شيئاً، طوال فترة وجوده في البرلمان، لدورة أو دورتين، وكان وجوده كعدمه، لكنه أعيد نائباً وسيتصدر المجلس ثانية وثالثة، لا لشيء، اللهم لأنه يترأس قائمته، ويتزعم مجموعته وإن المحاصصة تقتضي وجوده، وسنجد من بين الذين سيدخلون قبة البرلمان من لا يتحدث بحديث واحد، ومن لا يحضر جلسة واحدة، ومن لا يعارض تصويتا تقدمت به قائمته، ومن سلّم مقاليد أمره بيد من هو أكثر تفاهة منه، وهذا أمر طبيعي بكل تأكيد، إذ كنا قد شهدنا مثل هؤلاء وأتعس في الدورات السابقة. هل نتحدث عن الديمقراطية الواعدة في العراق الجديد ؟
ما يخشاه المواطن في السنوات الأربع القادمة هو أن يتحول المرشحون الشرفاء، الذين عول عليهم وانتخبهم الى أعضاء عاجزين عن تحقيق بعض طموحاته، وما هذا بمستبعد في دولة ديمقراطوقونيلو.