علي حسين
لم يخطر في باله أنّ الرواية التي كتبها عن رئيس الخدم الذي لايعرف سوى الطاعة المطلقة ، ستنقله دفعة واحدة الى المجد والشهرة والمال ، كان الأديب الياباني كازو إيشيغورو ، في الثانية والثلاثين من عمره ، يريد أن يكتب كتباً عن الحياة التي يشوّهها الكذب ، وتساءل ما الذي يجعل الإنسان يتحوّل إلى تابع لأفكار الآخرين .
في رواية بقايا النهار ، نقرأ عن رئيس الخدم الذي يجد نفسه يتحوّل مثل المتاع من سيّد إلى آخر، وعليه أن يكون مخلصاً إن لم يكن عبداً ، و في خدمة الولاء المطلق ، لايصلح سوى لدور واحد هو دور التابع .
سيقول البعض ياله من بطر ، الناس منشغلة بأمر الكهرباء وبماذا يفكر وزير الكهرباء الذي ما إن حصل على كرسيّ البرلمان حتى قرّر أنّ العراقيين يستحقّون العيش في الظلام . أما الـ 30 مليار دولار التي نُهبت بإشراف الشهرستاني وتنفيذ أيهم السامرائي وعفتان ووحيد!، فهي مجرد ارقام في هذه البلاد المنشغلة بتحويل حنان الفتلاوي من نائبة تصرخ دعماً للفشل والخراب ، الى زعيمة سياسية لاتقلّ أهمية عن المرحومة مارغريت ثاتشر ابنة البقال ، التي أنقذت بريطانيا من الإفلاس والأزمة الاقتصادية ، ورفعتها إلى واحدة من أقوى اقتصاديات العالم .
يفوت البعض دائماً، في حالات الإنبهار بشخصيات " استثنائية " مثل حنان الفتلاوي ومشعان الجبوري ، أن يلاحظ أنّ هناك إضاءات في هذه البلاد لايريد أحد أن يشير إليها ، منها مثلاً أنّ كاتباً عراقياً ينافس على جائزة من أكبر الجوائز الأدبية ، وأعني به الصديق أحمد سعداوي وروايته فرانكشتاين في بغداد المرشّحة على جائزة البوكر العالمية ، ومنها أيضا فوز شخصية بمقعد البرلمان ، من دون أن تدفع ديناراً واحداً على الدعاية الانتخابية ، وأعني به السيد محمد علي زيني ..رغم أنّ عالية نصيف لا تزال غير مقتنعة بشهادات الزيني الجامعية .
يبتسم الياباني إيشيغورو حين تسأله إحدى الصحف عن روايته بقايا النهار : " أريد أن أُحذّر من مجتمع خانع تابع لا قيمة فيه ، ولا كرامة لشيء سوى الخوف، لذلك فإن أول ما يفعله أبطالي هو تدمير المعابد ، لكي لا يخرج علينا مسؤول يرفع راية التقديس"!.
نحن ياسيدي نصرّ على انتخاب التابعين ، أمّا " التقديس " فالخطوط الحمر كثيرة في هذه البلاد .