طالب عبد العزيز
يمنحنا العدد الهائل للمرشحين في الانتخابات الأخيرة، صورة أخرى من صور السفاهة والتفاهة، التي اعتورت التحول في السياسة العراقية، بل والحياة بشكل عام، إذ من غير المعقول أن يتجاوز عدد أسماء المرشحين في البصرة وحدها الـ 580 مرشحاً، لم يفز منهم سوى (25).وها هي النتائج النهائية تفصح عن مكنون السفاهة والتفاهة تلك، حين نجد أن عدد الأصوات التي حصل عليها أحدهم (4) أربعة فقط. فيما لم يتجاوز نصيب أفضل واحد بين الخاسرين الـ 2000 صوت. يا ترى، كيف يغامر انسان بتسنم منصب، لم يجد من بين الذين يقبلون به نائباً سوى ألفي شخص، في المدينة التي يناهز عدد سكانها الـ 3 ملايين نسمة؟
في الحقيقة التي تتضح بأجل معانيها يمكننا القول بأن نسبة كبيرة بين هؤلاء لم يذهبوا لتمثيل الشعب، بقدر ذهابهم الى الوليمة، نعم الوليمة. ولا أغامر إذا قلت إنَّ 90% من هؤلاء كان دافعهم المال والوجاهة والمشاريع، بل وأن غالبيتهم لا يملك تصوراً في السياسة، وهو غير مؤهل لقيادة مركبة في شارع مضاء، ونجد أعداداً كبيرة من بين الذين فازوا في الدورة هذه، ممن لا يملكون وجهة نظر في إدارة شؤون الدولة، وهم غير قادرين على التفكير في ذلك، وبرأيي المتواضع لم يولد بعد بين هؤلاء جميعاً، الرجل الحقيقي، الذي تأهل ليكون برلمانيا أو زعيماً في الدولة، او مستشاراً حتى. هناك خلل في بنية المجتمع والسياسة العراقيين، لما يعالج بعد. أمريكا وإيران يتبادلان التهاني بعدم وجود الشخص ذاك.
فعلى سبيل المثال، كنت، تصفحت قوائم المرشحين عن أبناء الطائفة المسيحية في البصرة-على قلتهم - فوجدت أنهم تجاوزوا الـ 60 مرشحاً، وكانت سبع قوائم(بابليون، ائتلاف الكلدان، أبناء النهرين، اتحاد نهرين الوطني، اتحاد الرافدين، المجلس الكلداني السرياني الاشوري، حركة تجمع السريان) قد اشتركت، لكن خاب ظن الجميع، فقد تباين عدد الأصوات التي حصل عليها كل مرشح بين (3- 1200) صوتاً، فصحت : حتى أنت يا بروتس !! أمر محزن بكل تأكيد، أن المرشح ينحدر في وعيه الى أدنى من وعي الناخب، وهذا الذي حصل في مجمل العملية الانتخابية.
أكاد أجزم بأننا لو سألنا مرشحاً سنياً عن مشروعه، لأجابنا بانه يريد تحقيق مطالب أهل السنّة، ومثل ذلك ستكون أجابته إذا سألنا الكردي والشيعي والمسيحي، ليس هناك من يفكر بالوطن وحاجيات سكانه مجتمعين، ولو استعرضنا أعضاء الحكومة السابقين لوجدنا ما هو أقبح من ذلك، إذ أنّ الذين تسلموا الوزارات والذين وصلوا الى البرلمان في الدورات السابقة لم يكونوا بمستوى وعي السياسي وفهمه وتداركه، فهذا الجعفري، وزير الخارجية لا يعرف من أين ينبع نهر دجلة، وظل يتحدث بالألغاز ويستعرض (فهمه، ولغته وفلسفته) في مناسبات تستوجب التوضيح والايجاز، وكان جل شغل المالكي طوال فترة حكمه قد انصب على تفتيت المكون السنّي، بل لم يكن همّه أبعد من ذلك، ومثله كان المحافظ الفلاني والوزير والنائب والمدير العام. نحن أمة بحاجة الى تأهيل وطني حقيقي.