TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > قناديل: التاريخ هو مانصنعه اليوم

قناديل: التاريخ هو مانصنعه اليوم

نشر في: 26 مايو, 2018: 05:14 م

 لطفية الدليمي

نتساءل - ونحن نرى الأخبار والشائعات تتضخم أمام أنظارنا بين ناقليها - :هل يتوفر التاريخ البشري على حقائق موثوقة عن حوادث العصور الغابرة التي تناقلها معظم الرواة شفاهيا ، أو دونها المدونون بعد عشرات أو مئات الأعوام على وقوعها ؟؟
ماهي الحقيقة ؟ هل هي فيما تتداوله وسائط التواصل الاجتماعي من أخبار وصور مزيفة عن أشخاص وحوادث وأقوال ؟ أم أنها في أخبار الفضائيات التي تروّج لما يريده مالكوها وما يشترطه ممولو القنوات من تلفيقات وتزييف لإيصال فكرة مناقضة لما يعرفه الناس ويرونه ؟؟
كيف يجري تقييم الوقائع في عالم تحكمه الأوهام ؟؟ ماهي المعايير التي يعتمدها الصحفي؟ وماهي المقاييس التي يعتمدها الكاتب والمؤرخ لتدوين الوقائع ؟ كيف سيكتب مدون حوليات الشعوب وقائع زمننا على حقيقتها ؟ وماهي الحقيقة ؟ هل يحق للصحفي تغليب وجهة نظر شخصية أم أخرى نابعة من موقف ايديولوجي؟ أم تراه يدوّن وقائع الحاضر منطلقاً من انتماء قومي أو طائفي ؟؟ أم أنه يكتب ليرضي ولي نعمته ويديم قوت عياله مُشيحاً عن تقصّي الحقيقة واعتناقها ؟؟ ولكن ماهي الحقيقة في هذا العالم الشبيه بلوحة مائية سالت ألوانها و وتداخلت مع بعضها ، حتى صرنا نرى شواشاً من الألوان والخطوط التي لامعنى لها ؟ أين نعثر على الحقيقة والعالم منقسم الى قتلة ومقتولين ولصوص ومسروقين ؟ كيف لنا أن نمسك طرف خيط الحقيقة ووسائل الإعلام تنطق بأهواء الدول المهيمنة أو تزيف معلومات عن الواقعة والحدث ؟؟
ستضيع الحقيقة بالتأكيد فعالمنا مقسّم الى غزاة وطغاة وإلى منتفعين من الغزاة ومنتفعين من الطغاة ، ولن نبلغ كنه الحقيقة وهناك كتبة ومؤرخون يلوون عنقها ويلفقون تواريخ لمن يدفع ولمن يهيمن ، سنعجز حتما عن اقتفاء أثرها في عالم مقسّم إلى جموع موالية للخديعة وإلى مناهضين للمظالم وحروب الساسة .
أين الحقيقة ياترى ؟ هل هناك أشدّ وضوحاً من الدم البشري المسفوح وشهقات النساء المغدورات وجثث الضحايا وخراب المدن وحرائق الأدلة ؟؟ ولكن أين سنعثر على الحقيقة والعالم مقسّم بين قتلة يملكون التصرف بمصائر البشر بناءً على أهواء شخصية وتلفيقات فكرية وادعاءات دينية ، وبين ضحايا لايملكون في جنون هذا العالم سوى أن يموتوا ليحيا سادة الجنون ؟..
أين الحقيقة في عالم تتحكم به حماقة ساسة يعيدون تركيب قطع الدومينو كما تتطلب مصالحهم وزهوهم بسلطتهم ؟ أين الحقيقة فيما يصرح به حكام عالمنا الفاسدون عن انقاذ الشعوب من طغاتها وهم يشعلون حرائقهم بعدالة منقطعة النظير في أرواح الناس ومدنهم وأحلامهم ؟
كل شيء مختلط بكل شيء : طوفان فادح جرف القيم والمعايير وأنهى أزمنة عتيقة كانت البشرية فيها تمتلك – في الأقل - قدراً مقبولاً من مقومات حياة وقيما محددة واضحة في السلم والحرب ،وماعاد التاريخ لدى الدول الكبرى سوى ماضٍ مسكون بالعبث واللاجدوى ومثله المستقبل ، على الضد من الحكومات البائسة التي تهيمن على مقادير شعوبنا المغلوبة فهي تشتغل وتعتاش كالطفيليات على التاريخ المندثر والموروث المتهريء لتخدع الناس عن حاضرهم وتسلبه منهم ، لم تعد هناك حقائق صلبة سوى أرباح الشركات الكبرى وسلطة كبار المالكين في الدول العظمى.
لا أراني إلا متفقةً مع هنري فورد ، ملك صناعة السيارات الأمريكي عنما أعلن ذات يوم بأن (التاريخ هراء) وأضاف ( نحن لانريد تراثاً لأننا نريد أن نحيا في الحاضر وحده ، وأن التاريخ الجدير بالاهتمام هو التاريخ الذي نصنعه اليوم ).

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

هل ستعيد التشكيلة الوزارية الجديدة بناء التعليم العالي في العراق؟

العمود الثامن: معركة كرسي رئيس الوزراء!!

العمود الثامن: من كاكا عصمت إلى كاكا برهم

العمود الثامن: عبد الوهاب الساعدي.. حكاية عراقية

السيد محمد رضا السيستاني؛ الأكبر حظاً بزعامة مرجعية النجف

العمود الثامن: يزن سميث وأعوانه

 علي حسين منذ أيام والجميع في بلاد الرافدين يدلي بدلوه في شؤون الاقتصاد واكتشفنا أن هذه البلاد تضم أكثر من " فيلسوف " بوزن المرحوم آدم سميث، الذي لخص لنا الاقتصاد بأنه عيش...
علي حسين

كلاكيت: مهرجان دهوك.. 12 عاماً من النجاح

 علاء المفرجي يعد مهرجان دهوك السينمائي مجرد تظاهرة فنية عابرة، بل تحوّل عبر دوراته المتعاقبة إلى أحد أهم المنصات الثقافية في العراق والمنطقة، مؤكّدًا أن السينما قادرة على أن تكون لغة حوار، وذاكرة...
علاء المفرجي

فـي حضـرة الـتـّكـريــم

لطفيّة الدليمي هناك لحظاتٌ تختزل العمر كلّه في مشهد واحد، لحظاتٌ ترتفع فيها الروح حتّى ليكاد المرء يشعر معها أنّه يتجاوز حدود كينونته الفيزيائية، وأنّ الكلمات التي كتبها خلال عمر كامل (أتحدّثُ عن الكاتب...
لطفية الدليمي

سافايا الأميركي مقابل ريان الإيراني

رشيد الخيّون حصلت أكبر هجرة وتهجير لمسيحيي العراق بعد 2003، صحيح أنَّ طبقات الشعب العراقي، بقومياته ومذاهبه كافة، قد وقع عليهم ما وقع على المسيحيين، لكن الأثر يُلاحظ في القليل العدد. يمتد تاريخ المسيحيين...
رشيد الخيون
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram