TOP

جريدة المدى > عام > الفنانة التشكيلية فاطمة أسبر: كثيراً ما أشعر بأن جغرافيا الوجه تشبه جغرافيا الأرض

الفنانة التشكيلية فاطمة أسبر: كثيراً ما أشعر بأن جغرافيا الوجه تشبه جغرافيا الأرض

نشر في: 27 مايو, 2018: 06:03 م

 حوار: علي حسين عبيد

كيف يمكن أن نعثر على سمات ومؤشرات الإبداع لدى هذا الإنسان أو ذاك، بغض النظر عن التخصص الإبداعي الذي ينشغل فيه، إن هذه المهمة قد تكون صعبة عند غالبية الناس، ولكنها ليست كذلك عندما تنطلق المعرفة من مجسات النقد بمختلف مذاهبه ومدارسه، فالناقد الأدبي مثلاً تسهل عليه مهمة اكتشاف الإبداع الشعري أو السردي أكثر من غيره ممن لا يتحصّل على الخبرة الكافية للحفر في التجربة الشعرية أو السردية، وكذا الحال بالنسبة للناقد التشكيلي، فهو أيضاً يتمكن بقدرة أكبر من غيره على الدخول في أعماق التجربة التشكيلية لأي فنان تشكيلي، ثم يمكنه وضع النقاط على حروفها المناسبة فيما يتعلق بتجربة هذا الفنان أو ذاك، وفي زيارتي للمعرض التشكيلي الذي أقيم مؤخراً للفنانة (فاطمة أسبر)، ورؤيتي إلى لوحاتها متعددة الرؤى والأفكار والمضامين والأشكال والأدوات والألوان، جلب انتباهي بقوة ذلك الاشتغال المكثر والمتميز على الوجوه، فقلما تمر بلوحة من لوحات الفنانة (أسبر) ولا تجد وجهاً بارزاً في مساحة اللوحة أو هارباً لائذاً في إحدى زواياها، ولعل هذا الشغف الفني برسم الوجوه في لوحاتها التشكيلية يعود إلى رؤيتها الخاصة وتفسيرها الخاص أيضاً لما تمثله الوجوه لها، فهي ترى وتؤمن بأن الوجه له تضاريسه الخاصة في كل مرحلة، وتعتقد (اسبر) أن مراحل الحياة على اختلافها تلقي بظلالها على الوجوه وتترك بصماتها فيها، ولعل التعبير الأجمل لها والأكثر دقة حول الأسباب التي حدت بها للانشغال بالوجوه إلى هذا الحد، حين قالت: إن لكل وجه تضاريسه وجغرافيته الخاصة، أما مصدر هذه التضاريس ومؤثِّث هذه الجغرافية، فإنها تعزو ذلك إلى ما يمر به الإنسان في رحلة حياته من محتوى حياتي مختلف بين إنسان وآخر، فهناك من يواجه أقسى العقبات وهو يمضي في المسار الزمني قُدُما، وهذا السير الحثيث (الطوعي والقسري في آن) سوف يعكس المواقف والمشاعر والآلام والأفراح وسوى ذلك على شاشة الوجه، لهذا كان انشغال (أسبر) بالوجوه يطغي على مساحتها الفنية تشكيليا، ومن الجوانب الرائعة التي سيجدها قارئ هذا الحوار، هي صراحة الفنانة (فاطمة أسبر) في جميع إجاباتها، فهي لم تخشَ ذكرها عدم قدرتها الرسم بسبب العمل والانشغال بأمور الحياة، كذلك هي لم تخفِ رغبتها في الرسم وتوقّده الدائم في خيالها، وإلحاح الزملاء الفنانين على أهمية دخولها في المعترك الفعلي للفن، بدلاً من الرسم للنفس أو الذات، ومما يلفت النظر أن عدداً من الكتاب والأدباء شعراء أو غيرهم فضّل أن يختار إحدى لوحات الفنانة (اسبر) كي يكون غلافاً وواجهة لمؤلَّفه الشعري أو سواه، وهذا لوحده شهادة على التميّز والإبداع، والأهم في ذلك أن هؤلاء المبدعين لهم حضورهم الفاعل في المشهد الأدبي العربي، وليس ذلك بكثير على فنانة مبدعة تنتمي إلى شجرة الإبداع العربي، فالفنانة (فاطمة أسبر) انشغلت في إحدى دراساتها الشعرية بالشاعر العربي المعروف (أدونيس) ولعل هذا الانتماء الجميل يؤكد قيمتها الإبداعية، لكن يبقى الأمر المميز في ذلك ما تقدمهُ أعمالها ولوحاتها من قيمة فنية عالية، إن كان على مستوى الأفكار، أو الألوان المستخدمة، أو مساحات الرسم وكيفية التعامل معها، وفي الخلاصة أجد أنني كمحب للإبداع بصورة عامة، ومهتم بالفن التشكيلي العراقي والسوري والعربي عموما، ملزماً بمحاورة هذه التجربة التشكيلية المائزة، ومعرفة شيء من خصوصيتها، وخطوط تعاملها مع الرسم، ومع الفن والإبداع عموماً، لذا كان لنا مع الفنانة التشكيلية (فاطمة اسبر) هذا الحوار الذي يسلط بعض الضوء على تجربتها الفنية، وقد بدأنا معها بالسؤال التالي:
* حبذا لو نحصل على نبذة مختصرة عن رحلتك منذ نقطة الانطلاق حتى اللحظة.
- من صغري أحب الرسم، وأذكر أنني كنت أرسم وجوهاً أجد فيها ما يجذبني من دون التفكير بما أقوم به، كانت رغبةً داخلية.. وتعبر مثل أي حدث عادي.. وحين دخلت المدرسة كانوا يوظفون ساعة الرسم لدراسة مادة أخرى، فكنت أشعر بالقهر كما لو أنني فقدت شيئاً غالياً ومهمّاً ولن أجده ثانيةً، ومع المرحلة الثانوية من الدراسة فرض الواقع اتجاهاً مختلفاً، فدخلت دار المعلمات وتابعت دراستي الجامعية متخصصة بعلوم اللغة العربية، وكانت رسالتي في نيل الدكتوراه بعنوان (ظاهرة الرفض في شعر أدونيس).. ومارست تدريس اللغة العربية.. كنت سعيدة بعملي.. وبين البيت والتعليم لم يكن هناك وقت للرسم الذي لم يغادر خيالي.. ثم جاءت الفرصة.. وبدأت أمارس الرسم بشكل جدي ومتواصل منذ العام 2008 ومازلت أمنح الرسم الوقت الذي يتيسر لي والذي أسعى لتوفيره.
* يتراءى لي أنك مغرمة في التعامل الفني مع الوجوه، ما السر في ذلك؟
- الوجه مرآة الداخل الإنساني.. وهو يمنح الفنان القدرة على قراءة تعابيره سلباً وإيجاباً وكأنه جغرافيا تظهر عليها أفعال الزمن وتقلبات المشاعر.. وكثيراً ما أشعر بأن جغرافيا الوجه تشبه جغرافيا الأرض.. فكما تفعل عوامل الطبيعة بالأرض من حتٍّ وانهدام وتغيير في طبيعتها كذلك تفعل أحداث الحياة في الوجوه.. وحين النظر فيها نشاهد ذلك الانشطار الروحي.. والحزن وتغيّر الملامح.. كما نرى سلبياتٍ مختلفة مثل الرؤية بعين واحدة.. أو أن العين في غير مكانها فهي لا ترى الرؤية الكاملة.. وفي المحصلة، الوجه كتاب.
* ما هي أبرز المحطات في رحلتك مع الفن التشكيلي؟
- لا أستطيع القول بأن لي محطات فيما يتعلق بالرسم.. فأنا هاوية ولم أدرس الرسم.. كنت أرسم لنفسي، ولم أفكر يوماٌ بأن أعرض أعمالي.. لكن الأهل وبعض الأصدقاء من الوسط الفني وبعض المتذوقين حين رأوا أعمالي صاروا يوجهون اللوم لتقصيري بحق هذه الأعمال.. وبحق نفسي.. وبخاصة أن بعض لوحاتي وهي تقريباً تتجاوز ثمانية أعمال قد اختارها شعراء وأدباء ونقاد كي تكون أغلفة لكتبهم.. بعضها لسوريين وأكثرها خارج سوريا، في ألمانيا والجزائر وتركيا ولبنان، وقد منحتني هذه الاختيارات سعادة وثقة.. ثم رضخت لغواية المحبين وأقمت معرضاً في محترف وجالري النحات السوري الكبير (مصطفى علي)، كما شاركت في معرض جماعي في جالري ومرسم الفنان الكبير التشكيلي أسعد سموقان.. ويبدو أن أمامي ثلاثة معارض خلال الصيف وأوائل الخريف إن شاء الله.
* لماذا بدأت فاطمة أسبر متأخرة مع الفن، وكيف أبدعت؟
- أشرت إلى أن الحياة قد لا تعطي الفرصة في وقتها.. لكنها تعطيها في وقت ما.. أنا من جيل كان عليه أن يبني حياته عن طريق الدراسة وتأمين العمل.. ولم تكن كلية الفنون ظاهرة على خارطة مخيلتي.. بل كان التحصيل الدراسي هو الهدف.. لذلك تابعت في دراسة اللغة العربية ومارست التدريس.. ثم فجأة أجد نفسي أعود للرسم بشغف كبير.. وأنا الآن أشعر بالغبن والقهر حين يمر يوم لا أمارس فيه الرسم.. أما فيما يتعلق بالإبداع فأعمالي يقيّمها المتلقي أو الناقد.. ومما آمله أن ينظر إليها على أنها جميلة.
* هل ثمة أثر للشعر في لوحاتك، لاسيما أنك تنتمين إلى شجرة أدونيس الشعرية؟
-بالتأكيد.. وأنا أحب الشعر.. قديمَه.. وحديثَه وأبحث دائماً عن الصور الفنية في القصيدة.. وبخاصة أنني قرأت المتنبي وأبا تمام والمعري.. وقرأت أدونيس بشكل موسع.. وشعره مملوء بالصور.. مما يشكل مخزوناً لا ينضب.. وهذا لا يعني أن مختزن الصور يرسمها كما في القصيدة تماماً.. لكنها بتفاعلها الضمني واختزانها في الوعي واللاوعي تظهر بروح تتلاءم وروح القصيدة وتظهر تلك العوامل التي تجمع، في مناخ واحد حتى ولو كانوا متفرقين في بلدان مختلفة.
* هل هناك تكرار وتناسخ في انتاج اللوحات التشكيلية؟ وما سبب هذا التقارب في تجارب الفنانين وأنت منهم بالطبع؟
-من متابعاتي للمعارض الفنية السورية والتي أراها غير كافية كي أحكم على الإنتاج الفني بعين ناقدة.. لكن أستطيع القول إن هناك تمايزاً كبيراً بين الفنانين في سوريا ولكل واحد منهم سمته الخاصة به.. ويمكنك معرفة الفنان من رؤية بعض أعماله.. وإطلاق الأحكام النقدية الصارمة على الفنانين كقولهم: يكرر نفسه.. أو يشبه فلاناً من الفنانين.. أو يقلده.. وما شابه من توصيفات نقدية .. والحقيقة إن هذه الكلمات فيها تسرع من قائلها وفيها ظلم للفنان.. فما يشير إلى التشابه هو الخلفيات البيئية والثقافية والتي لا بد أن تظهر عند بعض الفنانين كونهم يخضعون لهذه المؤثرات.. لكن على أن لا تكون سمة ثابتة.. ولو أنك طلبت من عدد من الفنانين أن يرسموا قمراً لكان لكل فنان قمره الخاص به.. وعملية التكرار قد تكون في كثير من الأحيان إعادة نظر.. أو تكملة لعمل لم يقتنع الفنان بعد بأنه قد أكمله تماماً كم يريد.. أيضاً بشرط أن يكون مقبولاً وليس سمة دائمة.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

النوبة الفنيّة أو متلازمة ستاندال

علاقة الوعي بالمعنى والغاية في حياتنا

تخاطر من ماء وقصَب

موسيقى الاحد: كونشرتو البيانو الثالث لبيتهوفن

التقاليد السردية بين الأصالة والأقلمة

مقالات ذات صلة

أدباء: الشعر لم يخل عرشه فما زال يتشبث وأثبت بأنه يحتفظ بالقدرة على التنويع والتجديد
عام

أدباء: الشعر لم يخل عرشه فما زال يتشبث وأثبت بأنه يحتفظ بالقدرة على التنويع والتجديد

علاء المفرجي يرى الكثير من القراء والنقاد انه كان للرواية ظهور واضح في المشهد الأدبي العراقي خلال العقود الثلاث الأخيرة، فهل استطاعت الرواية أن تزيح الشعر من عليائه؟ خاصة والكثير من الشعراء دخلوا مجال...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram