اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > البرج العاجي: في مرعى الفن التشكيلي

البرج العاجي: في مرعى الفن التشكيلي

نشر في: 27 مايو, 2018: 06:04 م

 فوزي كريم

قطعتُ قاعات الطابق الأول من المتحف الوطني للفن (ما أعمق تأثير لوحاتها التي أمر بها سراعاً؟) باتجاه معرض جديد بعنوان "انعكاسات: ﭭان آيْك وما قبل الروفائلية". الأول فنان يعود إلى مطلع عصر النهضة (توفي عام 1441)، والثاني مدرسة فنية ازدهرت في العصر الـﭭيكتوري. المعرض يحاول توكيد فكرة أن لوحة "ﭭان آيْك" الشهيرة ARNOLFINI PORTRAIT قد أثرت بعمق في المدرسة الـﭭيكتورية، وخاصة في استخدام المرآة الدائرة. لوحة "ﭭان آيْك" آية من آيات الفن دون شك (يمكن الاطلاع على اللوحة عبر الانترنيت)، وتأثيرها بالغ الوضوح. ولكن المعرض لم يُرض ناقد جريدة "الـﮔارديان"، الذي يجد حيفاً في مجرد المقاربة بين لوحة عظيمة بكل مقاييس الفن، وبين مدرسة يعتبرها "أكبر عملية احتيال في تاريخ الفن، في ادعاء استيحاءاتها الثقافية، الشعرية والفنية الزائفة." نقاد الصحف الأخرى لم يخطر ببالهم مأخذ كهذا.
حين استعرضتُ لوحات المعرض لم استطع إغفال تأثير الموقف النقدي في الصحافة عليّ. نعم، أحسست بسحر لوحة "ﭭان آيْك" يدب في كياني: سحر الألوان، وسحر الهيمنة على التوازن، وسحر الواقعية التي لم تستطع أن تُخفي التطلعات التي تتجاوزها باتجاه الغموض الميتافيزيقي، شبه الديني. أحسست بذلك، بالرغم من أني رأيت هذه اللوحة مرات عدة، في مكانها الثابت في "المتحف الوطني. على أن هذا الضرب من السحر تلاشى مع لوحات المدرسة الـﭭيكتورية بالتأكيد، بالرغم من بهرجة ألوانها، واستثارة المضامين التي تنطوي عليها. ولكني ارتضيت المقاربة في هذا المعرض، لأنها تقتصر على بيان التأثير الذي استلهمه أصحاب المدرسة الماقبل روفائيلية، الذي بدى لي ملموساً. فالمعرض منبّه تعليمي، إن صحت العبارة. وكما وجدتُ المقاربة بين اللوحة المُفردة وبين أعمال الفنانين نافعة، كذلك وجدت المقاربة بين الموقفين النقديين المتنافرين. فلمَ لا أذهب للمعرض الفني معبأً بموقفين متعارضين؟
في اليوم التالي ذهبت إلى عرض فني، ولكن على الشاشة الفضية هذه المرة. فيلم جديد عن حياة "ﭭان ﮔوخ" بعنوان LOVING VINCENT. والجانب الفني الطريف في العرض هو اعتماده الرسوم المتحركة التي نُفّذت بأسلوب "ﭭان ﮔوخ" ذاته. فأنت الآن لا تجلس أمام لوحة تتشكل من ضربات خيوط لونية حادة التوهج ولا تهدأ، كما ألفتها مع لوحاته في قاعات العرض، ولكن أمام تدفق لوني لآلاف اللوحات تتلاحق لتشكل حركة تنتظم فيها مشاهد وقصة حياة.
الفيلم ينصرف إلى بضعة شهور من حياة الفنان "ﭭان ﮔوخ" ، حدثت فيها محاولة انتحاره التي انتهت بوفاته. يعتمد تحقيقاً يستغرق الفيلم كله، يسعى فيه الشاب المُتشكك "آرماند رولِن"، الذي أوصل رسالة الفنان إلى أخيه "ثيو"، إلى معرفة حقيقة موته. هل هي انتحار أم جريمة قتل من قبل شاب مُختل؟ ( أول من أثار هذه الشكوك ﮔريـﮔوري وايت في كتابه عن "ﭭان ﮔوخ"، صدر عام 2011). "ﭭان ﮔوخ" على فراش موته يعترف بأنه قتل نفسه عمداً، ولكن البحث عن الحقيقة يقترح تأويلات أخرى: ربما قال ما قال بفعل الارهاق والضجر، أو رغبة أن يجنب الحي وابناءه متاعب لاحقة، أو أن يجنب نفسه مذلة هذه النهاية البائسة.
لم أرتح لفكرة أن ينصرف فيلم عن الفنان، عُمل بهذه الطريقة الفنية جداً والجديدة جداً، إلى تحقيق شبه بوليسي بالغ الجدية، وعلى مدى زمني قصير من حياة هذا الكيان الفني الذي أحب الحياة برقة ملاك، فنهشت حبه بالمخالب . كنت أطمع أن تنصرف هذه الجهود التشكيلية البارعة إلى حياة وفن "ﭭان ﮔوخ". خاصة وأن الفنانين، وتعدادهم 125، الذين أسهموا تحت إشراف المخرج ورسام الكاريكاتير البريطاني "هيو ويلتشمان"، أنجزوا 65،000 رسماً، كل مجموعة مستوحاة من لوحة لـ "ﭭان ﮔوخ". من جانب آخر هناك ممثلون أدوا أدوارهم في الحكاية بصورة أولية، ثم خُططت لقطاتهم على الكانفس، ورُسمت لوحة لوحة. النتيجة تحفة فنية على هيئة فيلم كارتون، أو فيلم كارتون على هيئة تحفة فنية، تتطلب أكثر من مشاهدة.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

العراق الثاني عربياً باستيراد الشاي الهندي

ريال مدريد يجدد عقد مودريتش بعد تخفيض راتبه

العثور على جرة أثرية يعود تاريخها لعصور قديمة في السليمانية

"وسط إهمال حكومي".. الأنبار تفتقر إلى المسارح الفنية

تحذيرات من ممارسة شائعة تضر بالاطفال

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمودالثامن: العميل "كوديا"

العمودالثامن: عقدة عبد الكريم قاسم

العمودالثامن: فولتير بنكهة عراقية

وجهة نظر عراقية في الانتخابات الفرنسية

عاشوراء يتحوّل إلى نقمة للأوليغارشية الحاكمة

العمودالثامن: فولتير بنكهة عراقية

 علي حسين ما زلت أتذكر المرة الأولى التي سمعت فيها اسم فولتير.. ففي المتوسطة كان أستاذ لنا يهوى الفلسفة، يخصص جزءاً من درس اللغة العربية للحديث عن هوايته هذه ، وأتذكر أن أستاذي...
علي حسين

من دفتر الذكريات

زهير الجزائري (1-2)عطلة نهاية العام نقضيها عادة في بيت خوالي في بغداد. عام ١٩٥٨ كنا نسكن ملحقاً في معمل خياطة قمصان (أيرمن) في منتصف شارع النواب في الكاظمية. أسرّتنا فرشت في الحديقة في حر...
زهير الجزائري

دائماً محنة البطل

ياسين طه حافظ هذه سطور ملأى بأكثر مما تظهره.قلت اعيدها لنقرأها جميعاً مرة ثانية وربما ثالثة او اكثر. السطور لنيتشه وفي عمله الفخم "هكذا تكلم زارادشت" او هكذا تكلم زارا.لسنا معنيين الان بصفة نيتشه...
ياسين طه حافظ

آفاق علاقات إيران مع دول الجوار في عهد الرئيس الجديد مسعود پزشكیان

د. فالح الحمراني يدور نقاش حيوي في إيران، حول أولويات السياسة الخارجية للرئيس المنتخب مسعود بيزشكيان، الذي ألحق في الجولة الثانية من الانتخابات هزيمة "غير متوقعة"، بحسب بوابة "الدبلوماسية الإيرانية" على الإنترنت. والواقع أنه...
د. فالح الحمراني
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram