TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > قناطر: التداول السلمي للحياة

قناطر: التداول السلمي للحياة

نشر في: 29 مايو, 2018: 06:06 م

طالب عبد العزيز

غالبا ما يُسمعنا رجل الدين، ساعة نحاوره، جملاً لطيفة: مثل (الإسلام دين السلام) (دين محبة وسلام) (الله أرحم الراحمين، وهو دين الإنسانية....) ولعمري، أنا شخصياً، لا أجد الدين غير ذلك، بل الأديان جميعها، وفي جوهرها إنما بنيت على النحو هذا. ترى، لماذا لا يشاع مثل هكذا فهم بين أوساط الناس؟ ولما تغلبت لغة التهديد والوعيد على لغة السلام والمحبة بيننا، حتى باتت صورة الإسلام في الذهن الإنساني تعبيرا عن الكراهية والبغضاء. من يقف وراء الصورة المظلمة التي تتوسط المشهد، حيث نكون، في عالمنا العربي او خارجه، ألم يكن بوسع الدعاة والخطباء تغيير الصورة هذه؟ الصورة التي نستقيها من الكتب وأفواه الخطباء لم تعد ممكنة، النزوع الإنساني تجاه الحب والعطف والتسامح أكبر من نوعه تجاه البغضاء والتباعد والقسوة. نريد تداولاً سلميا للحياة.
منذ أن زُجَّ الدين في الفعل السياسي تغيرت صورته، صار قيداً وضاقت حلقاته على رقاب الناس، وما نشهده من تشدد ليس هو من الدين بشيء، بحسب كثير من الفقهاء، لذا نجد بينهم من يسمعنا الجميل والعذب من الكلام، في محاولة لتغيير الصورة التي بلغها الدين بين الناس. وهنا، حقا لماذا لا يصار الى تداول مفردات مثل الحب والمحبة والحبيب والعشق والالفة والسلام وغيرها في حديث الأسرة على مائدة الطعام، أو في حديث المسجديين عقب كل صلوات، ولماذا لا يجاهد الخطباء والمتكلمون في جعل مثل هذه سنّة ينزع العالمين بها ما في صدورهم من غلٍّ، العالم كله سائر نحو قبول الآخر، انتهت، والى الابد، ولم تعد قائمة، فكرة تسويق الأفكار، بما فيها الدين عبر حد السيف وإعمال آلة القتل والقهر.
ستكون دعائم ترسيخ الحب رخيصة، وممكنة بين الناس، وهي غير مكلفة، ولا تحتاج الى المال والدم، على عكس دعائم الكراهية، التي لا تترسخ إلا بالسيف والمال. ما يحدث في منطقتنا العربية أمر مؤسف، ومن يقرأ تاريخنا العربي الإسلامي سيجد أنَّ آباءنا لم ينهضوا بمسؤوليتهم تجاه أبنائهم ومستقبل شعوبهم والإنسانية، سيجد أن حروبهم لم تسع يوماً لنشر المحبة والسلام بين الناس، بل هو تاريخ قتل وقهر، وكانت الشعوب التي خرجوا منها مدحورين قد استعادت حياتها بعدهم، علينا أن نتصور حياة الناس في أوروبا الشرقية التي كانت تحت سلطة الولاة العثمانيين، لنقف على أبشع أنماطها، وما التخلف الذي تعاني منه بلادنا العربية إلا نتيجة للحكم ذاك، الذي امتد ستة قرون، مازالت آثارها باقية الى اليوم.
اعتقد أنَّ التجربة في إيران وتركيا خير دليل على ذلك، فالنهضة المدنية، وفصل الدين عن السياسة، وإشاعة مبادئ الحب والأمن المجتمعي التي تبنتها الشاهنشاهية في إيران والاتاتوركية في تركيا قد أتت أكلها. فهما، اليوم دولتان تنعمان بما تحقق من الجهد ذاك، ومن يعش في طهران وإسطنبول على حد سواء يجد ان مفردة(عشق) مثلاً، خرجت من معناها الجنسي، الجسداني الى الوجداني والعميق في النفس الانسانية، ترسخت في القلب، صارت عجينته، وتحققت في روح الطفل والمرأة والاخ وابن العم والأب ومن ثم في رجل الدين والسياسة، هي ليست نجسة، وموجبة للقتل، كما في تداولنا لها، أبداً، إذ لا يخجل الأخ إذا قيل له إنَّ شقيقته تحبُّ زميلاً لها في الجامعة، وهما يخططان لبناء أسرة، بل، على العكس، يفرح ويقف الى جانبهما، هناك وعي لا ينفرد بالجسد، وعي يعمل على إبقاء النور يقظاً على الطريق التي لا يسار بها فرداً، هناك مسار نبيل مطمئِن، سيبلغه العقلاء المحبون للحياة، الساعون الى البناء والتداول السلمي للحياة.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمود الثامن: الداخلية وقرارات قرقوشية !!

العمودالثامن: في محبة فيروز

الفساد ظاهرة طبيعية أم بسبب أزمة منظومة الحكم؟

مصير الأقصى: في قراءة ألكسندر دوجين لنتائج القمة العربية / الإسلامية بالرياض

هل يجب علينا استعمار الفضاء؟

العمودالثامن: تسريبات حلال .. تسريبات حرام !!

 علي حسين لا احد في بلاد الرافدين يعرف لماذا تُصرف اموال طائلة على جيوش الكترونية هدفها الأول والأخير اشعال الحرائق .. ولا أحد بالتأكيد يعرف متى تنتهي حقبة اللاعبين على الحبال في فضاء...
علي حسين

باليت المدى: جوهرة بلفدير

 ستار كاووش رغمَ أن تذاكر الدخول الى متحف بلفدير قد نفدت لهذا اليوم، لكن مازال هناك صف طويل جداً وقف فيه الناس منتظرين شراء التذاكر، وبعد أن إستفسرتُ عن ذلك، عرفتُ بأن هؤلاء...
ستار كاووش

التعداد السكاني العام في العراق: تعزيز الوعي والتذكير بالمسؤولية الاجتماعية

عبد المجيد صلاح داود التعداد السكاني مسؤولية اجتماعية ينبغي إبداء الاهتمام به وتشجيع كافة المؤسسات الاجتماعية للإسهام في إنجاح هذا المشروع المهم, إذ لا تنمية من دون تعداد سكاني؛يُقبل العراق بعد ايام قليلة على...
عبد المجيد صلاح داود

العلاقات الدولية بين العراق والاتحاد الأوروبي مابين (2003-2025)

بيير جان لويزارد* ترجمة: عدوية الهلالي بعد ثمان سنوات من الحرب ضد جمهورية إيران الإسلامية (1980-1988)، وجد العراق نفسه مفلساً مالياً ومثقلاً بالديون لأجيال عديدة.وكان هناك آنذاك تقارب بين طموحات الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي....
بيير جان لويزارد
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram