علي حسين
سمعتُ قصصاً عدة هذه الأيام لفت نظري أنّ أصحابها ينهونها بحسرة دامعة على الديمقراطية التي أُهدر دمها، وقد استوقفني حديث النائبة السابقة والزعيمة الحالية حنان الفتلاوي الذي قالت فيه :"إنّ الديمقراطية في خطر"، ورغم أن السيدة الفتلاوي لم تبكِ على الديمقراطية من قبل، بل إنها سخرت من جميع الذين اعتبروا ما جرى مع إياد علاوي عام 2010 انقلاباً على الديمقراطية، ويمكن لمن يريد أن يتأكد الاستعانة بالسيد"يوتيوب"ليرى ويسمع كيف أنّ السيدة الفتلاوي تضحك على الديمقراطية وتقول :"الكرعة وأم الشعر كامت تحجي بالديمقراطية."
مؤشر طيب أن تعيد السيدة الفتلاوي الاعتبار للديمقراطية، إلا أن فائدة البكاء على الديمقراطية تتطلب أن يسأل الباكي نفسه، لماذا كان يسخر من الديمقراطية ويشتم شباب ساحة التحرير ويصفهم بالبعثيين، لكن يبدو أنّ البعض يعتقد أنّ الديمقراطية حيازة أو ملكية خاصة يقسّمها بين أهله وعشيرته ومن يعزّ عليه.
كان ساخر بريطانيا الأشهر جورج برناردشو في الستين من عمره، حين كتب:"عندما يكون الشيء مثيراً للضحك، فاعلم جيداً أنّ وراءه سياسي". يعلّمنا برناردشو أنّ الإنسان يتحوّل في ظلّ السلطة الجاهلة إلى جزء من آلة، ينفّذ من دون تفكير. يسير ويقوم وينام من دون نقاش. لا نهاره له ولا غده ملكٌ لأبنائه.
باسم الديمقراطية ووسائلها كانت السيدة حنان الفتلاوي، تشتم السُنّة مرة، ومرة تسخر من الكرد، مرة علاقة منفعة مع خميس الخنجر، ومرة حرب بلا هوادة مع أسامة النجيفي، مرة تطبطب على كتف مشعان الجبوري، ومرات تطالب برجم مَن يختلف مع ائتلاف دولة القانون، ثم نصحوعليها وهي تصرخ في الفضائيات :"أنا أستحقّ الإعدام لأنني دخلت في ائتلاف دولة القانون، لازم أُعدم بالساحات شنقاً لأنّ كتلة دولة القانون خدعتني".
بعد سماعي لهذه الصرخة تبيّن لجنابي أن الديمقراطية ليست كما بشّر بها أفلاطون، وصاغ مفاهيمها وأسسها أرسطو، فنحن حتى لحظة ظهور السيدة الفتلاوي لا نعرف أي نوع من الديمقراطية نبغي وأي ديمقراطية سنصدِّر للبشرية، ففي الديمقراطيات الحقيقية السياسي الفاشل، يعترف بفشله ويذهب الى بيته معتزلاً السياسة، بينما في ديمقراطيتنا فإن صوت السياسي نذير بساعات النحس.
لماذا ينسى الذين يرفعون لواء الديمقراطية اليوم كل المآسي التي مرت بها البلاد، لماذا بعد سنوات عجاف لا يزال البعض يرى أن الخديعة هي"أبجد هوّز"الديمقراطية ويجب استغلالها إلى أقصى حد؟