لطفية الدليمي
يعترف المفكر والمنظّر الثقافي والناقد (تيري إيغلتون) في حوار حديث له قمت بترجمته- بأنه يستخدم التلميحات الفكاهية في أعماله كالإشارة في بعض كتبه إلى الممثل توم كروز في مجال تقديم الأمثلة ثم ترك كروز وبدأ يذكر راسل كرو الذي لايعرفه يقول(..عندما بلغت أواسط العمر إكتشفتُ قدرة الكاتب على إبقاء حس الفكاهة ماثلاً في دراساته الفكرية الرصينة للوصول الى روح قارئه ووعيه على الأقلّ في الكتابة الفكرية وعند تقديم المحاضرات، وعرفتُ إنّ بوسع حسّ الفكاهة أن يحافظ على التجانس والطواعية في روح الكاتب ويجعلها أكثر قدرة على إدامة التواصل مع الآخرين..) ويعلن وهو المفكر غزير الانتاج أنه أنجز كتابا فكرياً بعنوان (الفكاهة)، كتب هذا الكتاب لإيمانه بأهمية الفكاهة في حياتنا ودورها الفاتن في تعزيز قابليتنا على تحمل منغصات الواقع ومساندتنا في تخطى اللحظات السوداوية التي تداهمنا ونحن نواجه الخذلان والألم والفقدانات. وتنطوي كتابات ايغلتون الفكرية وبعض أعمال دوريس ليسينغ والروائي الصيني مو يان وروايات ايزابيل الليندي وماركيز وادواردو غاليانو وبعض أعمال الفيلسوف الفرنسي أدغار موران على قدر كبير من الدعابة والفكاهة اللاذعة التي تمنح القارئ نبضات حية من البهجة والتآلف الممتع.بينما يعمد كثير من الكتاب والنقاد والمفكرين إلى تقديم أفكارهم ورؤاهم بطريقة بالغة الصرامة والفخامة طمعاً في إعلاء شأن أعمالهم، ويعمد نقاد وكتاب آخرون إلى إقحام مصطلحات نقدية ومفاهيم فلسفية على موضوعاتهم أو عناوين مقالاتهم لترويجها بين القراء الذين تغويهم الرطانة المفرطة.
تساعدنا الفكاهة في حياتنا اليومية على تخطي الحزن وتعمل مثل جهاز ماص الصدمات وتخفف من جرعة الأسى والإشفاق التي نواجه بها أنفسنا، أما في الكتابة والتعامل الثقافي في المحاضرات والندوات فليس ثمة طريقة أكثر تأثيراً في روح المتلقّي من إضافة بعض الفكاهة والتلميحات المبهجة وحتى اللاذعة في المادة التي نقدمها، وتمكّننا الفكاهة من إستكشاف بعض الخفايا في الموضوع الذي نتصدى لكتابته أو تقديمه لجمهور مختلف المشارب في قاعة محاضرات مما يساعد المتلقين الهيابين لفتح باب النقاش وطرح التساؤلات والمشاكسة. فتقديم جرعة من خفة الدم والتطرق الى طرفةٍ مضحكة سوف يكون عونا للمتلقي والقارئ على استقبال الفكرة في إطار من المرح الجميل الذي يستنهض الهمة ويجلو بعض صدأ النفوس.
نلجأ غالباً في حالات الحزن أو الكآبة إلى سماع الفكاهات الخفيفة أو مشاهدة المقاطع الكوميدية على اليوتيوب، أو الحديث بطريقة ساخرة عن أسباب ذلك الحزن ويساعد المرح واللعب والرياضة على اطلاق هرمونات مسؤولة عن الاحساس بالسعادة كالدوبامين والسيروتونين والاندروفين، يقول أحد الاصدقاء الفيزيائيين المعنيين بتاريخ الأفكار (الفكاهة نعمة مقدسة وهبة سماوية ، وكل روح تنعم بحس الفكاهة إنما هي روح مضيئة نضرة لايداخلها ظلام الكراهية ولا تنزع إلى الشر أو اقتراف الأذى).
ألبرت انشتاين -على سبيل المثال - ، عُرف عنه شغفه بالفكاهة والمزاح في تعامله الاجتماعي مع المعارف والأصدقاء، وتشهد صوره الفوتوغرافية على هزلياته المضحكة ، ولعل حس الفكاهة والمرح لديه أعانه على مواجهة الانغمار الطويل في بحوثه العلمية ومنحه حب معارفه وبخاصة النساء اللائي أحبهن في حياته ، وهو يعلم ونعلم إن المرح والابتهاج عنصران أساسيان في الحب ، فغالباً ماتفشل الزيجات وعلاقات الحب الكئيبة التي تحسب الربح والخسارة بدقة هندسية روبوتية فتؤدي إلى انسداد المسالك أمام أطراف العلاقة ، مثلما يؤدي تجهّم المدرسين وسحناتهم الحزينة الى نفور التلاميذ من دروسهم.