TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > قناديل: كتّاب مرحون وكتّاب متجهمون

قناديل: كتّاب مرحون وكتّاب متجهمون

نشر في: 2 يونيو, 2018: 05:41 م

 لطفية الدليمي

يعترف المفكر والمنظّر الثقافي والناقد (تيري إيغلتون) في حوار حديث له قمت بترجمته- بأنه يستخدم التلميحات الفكاهية في أعماله كالإشارة في بعض كتبه إلى الممثل توم كروز في مجال تقديم الأمثلة ثم ترك كروز وبدأ يذكر راسل كرو الذي لايعرفه يقول(..عندما بلغت أواسط العمر إكتشفتُ قدرة الكاتب على إبقاء حس الفكاهة ماثلاً في دراساته الفكرية الرصينة للوصول الى روح قارئه ووعيه على الأقلّ في الكتابة الفكرية وعند تقديم المحاضرات، وعرفتُ إنّ بوسع حسّ الفكاهة أن يحافظ على التجانس والطواعية في روح الكاتب ويجعلها أكثر قدرة على إدامة التواصل مع الآخرين..) ويعلن وهو المفكر غزير الانتاج أنه أنجز كتابا فكرياً بعنوان (الفكاهة)، كتب هذا الكتاب لإيمانه بأهمية الفكاهة في حياتنا ودورها الفاتن في تعزيز قابليتنا على تحمل منغصات الواقع ومساندتنا في تخطى اللحظات السوداوية التي تداهمنا ونحن نواجه الخذلان والألم والفقدانات. وتنطوي كتابات ايغلتون الفكرية وبعض أعمال دوريس ليسينغ والروائي الصيني مو يان وروايات ايزابيل الليندي وماركيز وادواردو غاليانو وبعض أعمال الفيلسوف الفرنسي أدغار موران على قدر كبير من الدعابة والفكاهة اللاذعة التي تمنح القارئ نبضات حية من البهجة والتآلف الممتع.بينما يعمد كثير من الكتاب والنقاد والمفكرين إلى تقديم أفكارهم ورؤاهم بطريقة بالغة الصرامة والفخامة طمعاً في إعلاء شأن أعمالهم، ويعمد نقاد وكتاب آخرون إلى إقحام مصطلحات نقدية ومفاهيم فلسفية على موضوعاتهم أو عناوين مقالاتهم لترويجها بين القراء الذين تغويهم الرطانة المفرطة.
تساعدنا الفكاهة في حياتنا اليومية على تخطي الحزن وتعمل مثل جهاز ماص الصدمات وتخفف من جرعة الأسى والإشفاق التي نواجه بها أنفسنا، أما في الكتابة والتعامل الثقافي في المحاضرات والندوات فليس ثمة طريقة أكثر تأثيراً في روح المتلقّي من إضافة بعض الفكاهة والتلميحات المبهجة وحتى اللاذعة في المادة التي نقدمها، وتمكّننا الفكاهة من إستكشاف بعض الخفايا في الموضوع الذي نتصدى لكتابته أو تقديمه لجمهور مختلف المشارب في قاعة محاضرات مما يساعد المتلقين الهيابين لفتح باب النقاش وطرح التساؤلات والمشاكسة. فتقديم جرعة من خفة الدم والتطرق الى طرفةٍ مضحكة سوف يكون عونا للمتلقي والقارئ على استقبال الفكرة في إطار من المرح الجميل الذي يستنهض الهمة ويجلو بعض صدأ النفوس.
نلجأ غالباً في حالات الحزن أو الكآبة إلى سماع الفكاهات الخفيفة أو مشاهدة المقاطع الكوميدية على اليوتيوب، أو الحديث بطريقة ساخرة عن أسباب ذلك الحزن ويساعد المرح واللعب والرياضة على اطلاق هرمونات مسؤولة عن الاحساس بالسعادة كالدوبامين والسيروتونين والاندروفين، يقول أحد الاصدقاء الفيزيائيين المعنيين بتاريخ الأفكار (الفكاهة نعمة مقدسة وهبة سماوية ، وكل روح تنعم بحس الفكاهة إنما هي روح مضيئة نضرة لايداخلها ظلام الكراهية ولا تنزع إلى الشر أو اقتراف الأذى).
ألبرت انشتاين -على سبيل المثال - ، عُرف عنه شغفه بالفكاهة والمزاح في تعامله الاجتماعي مع المعارف والأصدقاء، وتشهد صوره الفوتوغرافية على هزلياته المضحكة ، ولعل حس الفكاهة والمرح لديه أعانه على مواجهة الانغمار الطويل في بحوثه العلمية ومنحه حب معارفه وبخاصة النساء اللائي أحبهن في حياته ، وهو يعلم ونعلم إن المرح والابتهاج عنصران أساسيان في الحب ، فغالباً ماتفشل الزيجات وعلاقات الحب الكئيبة التي تحسب الربح والخسارة بدقة هندسية روبوتية فتؤدي إلى انسداد المسالك أمام أطراف العلاقة ، مثلما يؤدي تجهّم المدرسين وسحناتهم الحزينة الى نفور التلاميذ من دروسهم.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

هل ستعيد التشكيلة الوزارية الجديدة بناء التعليم العالي في العراق؟

العمود الثامن: معركة كرسي رئيس الوزراء!!

العمود الثامن: من كاكا عصمت إلى كاكا برهم

العمود الثامن: عبد الوهاب الساعدي.. حكاية عراقية

السيد محمد رضا السيستاني؛ الأكبر حظاً بزعامة مرجعية النجف

العمود الثامن: يزن سميث وأعوانه

 علي حسين منذ أيام والجميع في بلاد الرافدين يدلي بدلوه في شؤون الاقتصاد واكتشفنا أن هذه البلاد تضم أكثر من " فيلسوف " بوزن المرحوم آدم سميث، الذي لخص لنا الاقتصاد بأنه عيش...
علي حسين

كلاكيت: مهرجان دهوك.. 12 عاماً من النجاح

 علاء المفرجي يعد مهرجان دهوك السينمائي مجرد تظاهرة فنية عابرة، بل تحوّل عبر دوراته المتعاقبة إلى أحد أهم المنصات الثقافية في العراق والمنطقة، مؤكّدًا أن السينما قادرة على أن تكون لغة حوار، وذاكرة...
علاء المفرجي

فـي حضـرة الـتـّكـريــم

لطفيّة الدليمي هناك لحظاتٌ تختزل العمر كلّه في مشهد واحد، لحظاتٌ ترتفع فيها الروح حتّى ليكاد المرء يشعر معها أنّه يتجاوز حدود كينونته الفيزيائية، وأنّ الكلمات التي كتبها خلال عمر كامل (أتحدّثُ عن الكاتب...
لطفية الدليمي

سافايا الأميركي مقابل ريان الإيراني

رشيد الخيّون حصلت أكبر هجرة وتهجير لمسيحيي العراق بعد 2003، صحيح أنَّ طبقات الشعب العراقي، بقومياته ومذاهبه كافة، قد وقع عليهم ما وقع على المسيحيين، لكن الأثر يُلاحظ في القليل العدد. يمتد تاريخ المسيحيين...
رشيد الخيون
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram