TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > قناطر: ديدان خبيثة في عقولنا

قناطر: ديدان خبيثة في عقولنا

نشر في: 2 يونيو, 2018: 08:05 م

 طالب عبد العزيز

يرى باحثون أنَّ كلمة نفاق لم ترد في أدبيات العربية قبل الإسلام، وبذلك يقول ابن كثير:"إن صفات المنافقين نزلت في السور المدنية، لأن المجتمع المكّي لم يكن فيه نفاق.."وواضح أن القول كان إما بنعم أو بلا، ونحوهما. بمعنى إما أن تكون قابلاً أو رافضاً، مع أو ضد، تقْدِم أو تحْجِم، وهكذا، فلا وجود لمنطقة الوسط. ويبدو أننا، اليوم نعيش خارج المعادلة المكية تلك، إذ قلما نصادف من لم يتخذ موقفا في منطقة الـ بين بين، هناك من يقول بأن الحياة بتعقيداتها هي من فرضت على الكثير منا السلوك هذا. لا بأس إذن.
لكنني، سأكون مع المتنبي في قوله:"وإنّما النّاسُ بالمُلُوكِ ومَا، تُفْلِحُ عُرْبٌ مُلُوكُها عَجَمُ"لا مع الحديث الضعيف بأكثر من رواية:"كيفما تكونوا يولّى عليكم"إذ، لعل أقبح ما فعله الملوك، رجال دين، شيوخ قبائل، أرباب أسر.. (السياسيون) بعامة، هو أنهم جعلوا شعوبهم منافقين، وما تعاني منه شعوب المنطقة الاسلامية والعربية بخاصة هو النفاق والتعامل القلِق، غير الآمن بين الرئيس والمرؤوس وبين الداعية والمعية وبين شيخ القبيلة وأفراد قبيلته، ولا يختلف اثنان على أن المؤسسات العربية، ومنذ الفتح العربي، وتأسيس الدولة الاسلامية تعمل على خلق البطانات، التي من شانها نشر الرعب والخوف بين الناس، وهما المؤدي الوحيد لجعل أي مجتمع أرضا خصبة لنمو النفاق.
وكان صنّاع السياسة والفكر في لغات أخرى، غير العربية قد استخدموا مفردة (سوء الأخلاق) ذات الدلالة الشاملة بدلاً عن المفردة القلقة في العربية(النفاق) إذ، هناك من ظل يحوم حول المفردة، محاولاً تخفيفها، ففي أدبيات التذلل لله، يقول أحدهم لأتباعه:"وبعد فراغك من الصلاة:"ضع خدك الأيمن على مصلاك، أسجد، إبكِ، أو (تباكى).."ولا أعرف كيف يتباكى الانسان، أليس في ذلك نفاق مع الله؟ ولا نريد الخوض أبعد من ذلك، ففي كل مرة تستنفر الدولة مؤسساتها الأمنية في محاولة لجمع السلاح، نجد أن شيخ العشيرة يعمد على تبليغ أفراد عشيرته بإخفاء أسلحتهم، لكنه ينضم الى مجموعة الجيش والشرطة بحثاً عن الأسلحة، ومثل ذلك تعمل بطانة مدير الدائرة مع لجان التفتيش الوزارية في تجميل صورة المدير العام، ولا أظن أنَّ مؤسسة عربية تعمل بعيداً عن الصورة هذه، ومن يتحدث عن الديمقراطية، فهو مجانب للواقع منافق أيضاً.
حين أعلن صدام حسين عن تأسيس ـما سمي بـ (جيش القدس) تسابق قادة حزب البعث في العراق، كل يريد أن يعلمه بانه الأقوى والأكثر في تطويع الناس، فقام عبد الباقي السعدون بحملات قهرية واسعة، في المدرسة والمصنع والسوق والشارع واقتيد كل من طالته يد البعث في البصرة ليكون ضمن صفوف الجيش ذاك، وبذلك أعلن المدينة على إنها الأوسع والأكثر في عدد المتطوعين، فيما تكشف غير ذلك فيما بعد. سوء الأخلاق هذا(النفاق) هو الذي أودى بحياة ثلاثة الأشخاص، الذين قتلوا بنيران المعركة التي وقعت بين قبيلتين في الديوانية بسبب (دجاجة) وهو نفسه الذي جعل من سكان منطقة شمال البصرة يتقاتلون بسبب(جاموسة) وهم، أنفسهم، الذين يتقاتلون بين آونة وأخرى شمال شرقي بغداد بسبب دراجة هوائية، هؤلاء، هم من أوصلوا الطبقة السياسية التي تحكم مدننا وتتسلط على رقابنا، المنظومة هذه التي خرجت من القاع الوسخ ذاك، هي التي تعمل على ترسيخ مبادئ سوء الاخلاق. نحن نعاني من ديدان خبيثة تسبح في عقولنا منذ قرون، ولن تقوم لنا قائمة، ما لم نتخلص منها، بل، الأصح ما لم يأت من يخلّصنا منها.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمود الثامن: يزن سميث وأعوانه

العمود الثامن: "علي بابا" يطالبنا بالتقشف !!

سافايا الأميركي مقابل ريان الإيراني

العمود الثامن: صنع في العراق

فـي حضـرة الـتـّكـريــم

العمود الثامن: المستقبل لا يُبنى بالغرف المغلقة!!

 علي حسين منذ أن اعلنت نتائج الانتخابات البرلمانية الأخيرة، والطاولات الشيعية والسنية تعقد وتنفض ليس باعتبارها اجتماعات لوضع تصور للسنوات الاربعة القادمة تغير في واقع المواطن العراقي، وإنما تقام بوصفها اجتماعات مغلقة لتقاسم...
علي حسين

إيران في استراتيجية الأمن القومي الأمريكي الجديدة

د. فالح الحمـــراني تمثل استراتيجية الأمن القومي الأمريكي الجديدة، الصادرة في تشرين الثاني تحولاً جوهرياً عن السياسات السابقة لإدارتي ترامب وبايدن. فخلافاً للتركيز السابق على التنافس بين القوى العظمى، تتخذ الاستراتيجية الجديدة موقفاً أكثر...
د. فالح الحمراني

ماذا وراء الدعوة للشعوب الأوربية بالتأهب للحرب ؟!

د.كاظم المقدادي الحرب فعل عنفي بشري مُدان مهما كانت دوافعها، لأنها تجسد بالدرجة الأولى الخراب، والدمار،والقتل، والأعاقات البدنية، والترمل، والتيتم،والنزوح، وغيرها من الماَسي والفواجع. وتشمل الإدانة البادئ بالحرب والساعي لأدامة أمدها. وهذا ينطبق تماماً...
د. كاظم المقدادي

شرعية غائبة وتوازنات هشة.. قراءة نقدية في المشهد العراقي

محمد حسن الساعدي بعد إكتمال العملية الانتخابية الاخيرة والتي أجريت في الحادي عشر من الشهر الماضي والتي تكللت بمشاركة نوعية فاقت 56% واكتمال إعلان النتائج النهائية لها، بدأت مرحلة جديدة ويمكن القول انها حساسة...
محمد حسن الساعدي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram