لندن : خاص بالمدى
من لا يعرف الدكتور صباح جمال الدين؟ هذه الشخصية العراقية المرحة والكريمة وصاحب الملاحظات في اللغة والشعر والحياة ! فما ان يحضر في جلسة حتى تمتلئ طرافة وثقافة وحيوية.
لقد أحسن المقهى في تقديم د. صباح جمال الدين الى جمهوره والتعريف به من خلال نتاجه الأدبي والشعري خصوصاً ، رغم انه لا يحتاج تقديم فهو لا يدعي الشعر ولم يمارسه إلا متاخراً .
قدمه لنا الفنان والشاعر والإعلامي الصديق فلاح هاشم ، منوهاً الى أهمية ما يطرحه ضيف المقهى من أسئلة وتصورات لما نحن فيه وما علينا القيام به. أسئلة لها علاقة ماسة بحياتنا ولكنها تأتي على شكل قصائد شعرية مقصودة، وهذا ما ذكره الشاعر د. صباح عندما عرّف القصيدة وربطها بالقصد والنية – نية الشاعر – في ا لتكسب منها عند أولي الأمر.
كان عريف الأمسية قد قرأ معظم نتاج الضيف ولكنه أكد على أهمية كتابه الأخير ( الطائفية جاءت من السماء ) وما فيه من تساؤلات جديّة حول الإنسان ومصيره والى أين نحن ذاهبون ؟ وغيرها من أسئلة الوجود المحيّرة.
والدكتور صباح يكتب الشعر الفصيخ والعامي وله دراسات في طبيعة اللغة العربية أيضاً ذات منحى مختلف نوعاً ما عما يُطرح غالياً . وهو شخصية محبوبة وذات حس فكه وطرافة يلحظها كل من جلس معه وإستمع لأحاديثه الشيقة.
من طرائف ضيفنا إعتبار الشاعر " مسودن " أي مجنون ولهذا فهو يقول أشياء قد لا يتقبلها العقل أو تصور الجمهور للواقع، وقد ربط العرب القدامى موهبة الشعر بالجني - جني الشعر - وهو كما يقول لست بمجنون ولهذا لا أعتبر نفسي شاعراً مع محبتي للشعر والشعراء .
فقرأ حول الجني ما قاله شعراً:
" يلهم الشاعر في أيامنا شعراً بجني
مرت الستون لا جنّ آتى يسأل عني
قلت يارب أ أقضي كل عمري بالتمني
قال ربي أنت جني
قلبك العاشق مني
قل بما شئت من الشعر
قوافيك بوزن
ويح أمي سبقته
قالت: الجنّي إبني
جاء قبل الفجر
لم يبك
فقد جاء يغني ... "
أما عن مؤلفاته الأخرى، فقال إن لديه كتاباً (عن سلاسل الآلهة الأغريقية) ذكرفيه كل السلالات وأعطى لكل إله رقماً، وكتب عن كل إله قصة قصيرة جداً منها " أن جوبيتر نزل على الأرض فصادف فلاحاً ، أجرى حواراً معه ، فلم يتفقا فتعاركا ورفع جوبيتر صوته فقال له الفلاح كفى يا مولاي، لقد علمت إني على حق .." وذكر إنه أصدر كتابا بعنوان (صاحب الزمان) ناقش فيه إن كبار العلماء لا يعرفون ان صاحب الزمان لغوياً هو الله أما الرجل فهو ( صَحِبَ الزمان ) .. ومن دواوينه ( ديوان البصرة) كرسه عن المدينة التي يحبها وسيطبع في بحر الشهرين القادمين ..وهناك ديوان (الأمثال العراقية ) الذي يقدم المثال على شكل شعري ، مع ذكر السبب الذي دعى لمثل هذه الأمثال ، إن لكل مثل قصة حقيقية دعت لظهوره وتداوله بين الناس وقرأ نصاً بهذا المعنى حول المثل القائل :
" اليدري يدري والمادري كضبة عدس " فأضحك الجمهور وصفق له.
ثم عقب المقدم الفنان فلاح على كتابه الأخير : ( الطائفية جاءت من السماء ) فذكر انه كان يتصوره كتاباً فلسفياً بحتاً لكنه وجده كتاباً شعرياً في فلسفة الحياة ومشاكلها وكيف حمّل الناس مفاهيمهم ما لا يمكن تحملها. وناقش فيها الشاعر بعض المعاني التي قد توحي بأنها سبب البلاء الذي على الأرض وذلك من خلال مناقشة نصوص الكتب السماوية. وقال ان هذا الكتاب وحده يحتاج الى أمسية خاصة.
ومن طرائفه، إنه كان يعمل في الكويت وكان حلمه أن يحصل على جواز كأي منفي ولم يك تهمه لأي دولة هذا الجواز، خصوصا لم يبق في جوازه الأصلي مكانا لأختام مزورة جديدة، وككان يعمل معه مضمدا بنغلاديشيا فتوسل اليه أن يدبر له جوازا بأي ثمن يطلبه
وللضيف قصائد في الهم العراقي اليومي وعلى الأخص ما يجري في أروقة السياسة وعن نواب البرلمان ، منها قصيدته الساخرة، التي عرفها جمهور العراقيين في بريطانيا وأوروبا ، التي مطلعها : " قيّم الركّاع من ديرة عفك " .
وقد ختم الأمسية السيد غيث التميمي بمجمل نتاج الدكتور صباح جمال الدين ، بعد أن أطنب في توضيح رؤيته بالقول:
" أقف إحتراماً وإجلالاً لهذا المنجز الجميل للدكتور صباح جمال الدين وأعتقد أن هذا الكتاب البسيط في حجمه والكبير في مضمونه ممكن أن يكون ملهماً لشرائح واسعة..أنه بصراحة يذكرنا بأيليا أبو ماضي ومجايليه الكثر".
