TOP

جريدة المدى > عام > هل لجأ الفنانون لتقديم عروض مسرحية بسبب غياب الأعمال الدرامية؟

هل لجأ الفنانون لتقديم عروض مسرحية بسبب غياب الأعمال الدرامية؟

نشر في: 23 يونيو, 2018: 07:17 م

زينب المشاط

تعرّجٌ في مساره هذا ما يشهده الفنّ العراقي، بعد أن أصابته إعاقة ما بعد 2003، إنه يذكرني تماماً بجنديّ أُصيب بعد حرب طويلة وعاد الى الحياة محاولاً أن يُداري ذاكرة جسده وعوقه الذي صار جزءاً منه، فهل يا تُرى سيتجاوز الفن العراقي إعاقته، أم ستصبح قرينته؟ ... لن نتوسع في مناقشة موضوعات تراجع الفن وسنُرّكز في موضوعة التراجع الدرامي، فمنذ ما يقارب الثلاث سنوات والدراما العراقية تعاني غياباً تاماً، حتى صرّنا نعتقد أن ظهور عمل فني واحد درامي معجزة بحدّ ذاتها، وهنا نشهد تكثيف العروض المسرحية وزيادتها لنتساءل هل لجأ الفنانون والمخرجون والكتاب لتقديم عروض مسرحية، كونها أقل كلفة من العمل الدرامي؟ وليأسهم التام من احتمالية تقديم عمل درامي واحد؟ ولأن الفنان العراقي يرغب بالعمل حتى وإن كان ضمن فضاء مُفرّغ فالأهم بالنسبة له هو تقديم عمل فني....

فيما يخص الدرما العراقية يجب أن نشير الى موضوعة دعم الدراما، والتي تحدث عنها الفنان رائد محسن وهو أحد أعضاء لجنة دعم الدراما في العراق، خلال إحدى البرامج التلفزيونية بعد أن إتهمته مقدمة البرنامج بهدر وتشتيت تجربة دعم الدراما، حيث قدم رائد محسن نبذة عن التجربة والتي سبق وأن قدمت "المدى " تقريراً مفصلا عنها ، وذكر محسن " كيف يمكن أن نُتهم بالهدر والتشتيت ونحن قمنا بإستجداء الأموال من اجل تقديم ثلاثة أعمال درامية عراقية لهذا العام على الأقل؟ ." مشيراَ " إلى أن الأموال التي تم جمعها والتي تقارب الملياري دينار ماتزال موجودة في البنك المركزي العراقي وان الللجنة المتألفة من رائد محسن ،قاسم ملاك، آسيا كمال، فارس طعمة، حكيم جاسم، و أحمد شرجي، ومهدي طالب، وأحمد حسن موسى ،وهديل كامل، وقسمت الى لجان ماتزال تعمل في هذا الموضوع وقراءة النصوص ولكن القيمة المادية تبقى غير كافية ونحن مستمرون في مساعينا رغم ما نلاقيه كل يوم من هجوم من قبل الجمهور العراقي وبعض الجهات الفنية ولكن ما ذنبنا نحن."
بعض الفنانين والمخرجين الذين لهم تاريخ درامي رصين وجدوا أن ليس كل فناني الدراما توجهوا الى المسرح فيذكر السيناريست علي صبري إنه " ليس كل مخرجي وكتاب الدراما توجهوا لتقديم عروض مسرحية أو كتابة وتقديم أعمال مسرحية، فالمخرجون الذين يحترمون تاريخهم الدرامي ، لم ينجروا الى هكذا أعمال تافهة، وهنا أعني تقديم العروض المسرحية الساخرة التي تصل الى حدّ الابتذال ولا أعني العروض الجادّة ، فما ترينه اليوم هو ليس مسرحا ، بل هي فعاليات تعتمد على الحوار المضحك والحركة الساذجة ولا تحمل أي قيم جمالية ولا تتضمن قضية أو رسالهة." ولم يكن رأي صبري ضمن هذا المجال فحسب بل أشار كذلك الى تلك الأعمال التلفزيونية التي باتت تقدم في شهر رمضان حيث ذ كر أن "الذين قدموا في رمضان برامج تمثيلية سطحية وساذجة ، هم انفسهم من يقدم المسرحية اليوم لكسب المال فقط لا غير."
ما المشكلة خلف تقديم أعمال درامية أو مسرحية من قِبل ذات الفنانين ما إذا كانوا يجيدون الاداء، ويعطون العمل حقه، وما إذا كان العمل رصين! المخرج الدرامي جمال عبد جاسم يذكر " إن كل الفنانين الذين يعملون دراما يعملون مسرح وتلفزيون وسينما، وهذا أمر طبيعي أما بالنسبة للمخرجين والسيناريست فمن الممكن أن يُشكل هذا الأمل خلافاً فيما لو كان هنالك مخرج درامي اتجه لتقديم عرض مسرحي، خاصة أن العروض التي تسمى بالعائلية اليوم هي عروض ضعيفة إلا إننا نجدها فعالة جداً في فترة المناسبات كالأعياد أو المناسبات الوطنية، والعطل الصيفية وهذه الفترة التي يُفعل بها المسرح في العراق، عدا مسرح النخبة الذي تستمر عروضه عبر دائرة السينما والمسرح."
ليس بالغريب والجديد أن يقدم الفنان العراقي عروضاً مسرحية وأخرى درامية المخرج جمال عبد جاسم لايجد أن هنالك ما يثير الاستغراب والتساؤل، ويقول "هذه الحالة ليست غريبة وجديدة على الفنانين العراقيين في الفترة التي نشهد بها أفولاً في الدرما العراقية ولانعرف أسبابها وإن كانوا يعلقون الأسباب على التقشف فنجد إن تلفزيون العراقية يقدم عملين دراميين باهظي الثمن ولكنهما بسيطان جداً وهما " سمايل " و " دراما نص كوم "وإن تكلفتهما تفوق بساطتهما وهذا ما يثير استغرابي في الواقع، فعملان بهذا الحجم لا يتوجب أن يكونا مكلفين الى هذا الحد، هذا في حال كُنا نتحدث عن غياب الدراما بسبب التقشف، فالتقشف بات أكذوبة تعلّق عليها أسباب الغيابات الفنية الكثيرة."
إن كان سبب لجوء بعض الكتّاب والمخرجين الى المسرح بسبب الكلفة العالية للدرما فيشير لنا المخرج المسرحي والاكاديمي د. جبار خماط قائلاً إن " كل عرض مسرحي له معالجته التي تتطلب تكاليف ضخمة أو عكس هذا من البساطة في الإنتاج ؛ وبرأيي أن المسرح المعاصر لا يميل كثيرا إلى الثرثرة البصرية التي قد تتحول الى عبء لدى المتلقي وتعيق حضور الممثل وأثره الفكري والجمالي بسبب هيمنة البعد البصري المبالغ فيه ؛ شخصياً أميل إلى تمركز المسرحة على الممثل بوصفه صانع الفرجة في الهنا والآن ؛ وهذا يعني أن تكون العناصر لاحقة لوجوده وتأثير أدائه على المتلقي . الموضوع لا علاقة له بكلفة الإنتاج إنما يتعلق بنمط المعالجة المسرحية ." أما بالنسبة الى موضوعة الدراما والمسرح وسبب غياب الأولى والتركيز على الأخيرة يذكر خماط قائلاً " بكل تاكيد نجد توجهاً من الدراما الى المسرح، وتركيزاً على الاخير، وذلك لأن الدراما التلفزيونية تتطلب إنتاجاً مادياً كبيراً حتى الثراء البصري والسمعي في صناعة اللقطة ؛ أما المسرح فلا يتطلب مثل هذا الشرط لأنه يقوم على علاقة مباشرة بين الممثل والجمهور بغض النظر عن توافر عناصر بصرية وسمعية ذات كلفة عالية . على المستوى الشخصي قدمت في الأيام الماضية عرضاً لمسرحية (حين سقط المشبك )وهي تعتمد على الممثل بالدرجة الأساس ؛ تكاد العناصر السمعية والبصرية غير متواجدة في العرض لكنه - العرض المسرحي - حقق تأثيراً قوياً في الجمهور ."
يبدو أن المسرحيين منحازون الى المسرح وذلك لكونه أكثر تأثيراً بالجمهور، متناسين أن الدرما تدخل بيوت كل الجماهير بدون استثناء، وهنا يتحدث لنا المخرج والكاتب المسرحي تحرير الأسدي الذي عمل كسيناريست في رمضان 2018 في عمل " دراما نص كوم" ويقول الاسدي " في رأيي غياب التسويق الجيد عامل أساس في تدني مستوى الانتاج إضافة الى وجود نموذج من المسلسلات الكوميدية الذي نجحت به بعض القنوات لذا نرى بقية القنوات تسعى الى تقليده وبالتالي حصلنا على نسق كوميدي بسيط، أغلب القنوات في رمضان الماضي أنتجت برامج ومسلسلات كوميدية بمبالغ جيدة وهنا تنتهي أكذوبة (لاوجود للانتاج)، مايجعل الدراما تنهض من جديد هو تفعيل شركات الانتاج الأهلية وتقديم نموذج درامي عراقي قابل للتسويق ودون ذلك ستبقى الدراما العراقية تراوح في محلها ." أما عن أسباب اللجوء من الدراما الى المسرح فالأسدي لا يجد أن هنالك أي تقابل بين هذين للمسرح وضعه وللدراما وضع آخر تماماً .

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق للكتاب

مقالات ذات صلة

الاعتياد على مسالك الحياة السهلة:  صفقة مع الخطر
عام

الاعتياد على مسالك الحياة السهلة: صفقة مع الخطر

ألِكْس كورمي* ترجمة: لطفية الدليمي بينما أكتب الآن هذه الكلمات يرسلُ هاتفي النقّالُ بطريقة لاسلكية بعضاً من أعظم ألحان القرن الثامن عشر (مؤلفها الموسيقار العظيم باخ لو كنت تريد معرفة ذلك!!) إلى مكبّر الصوت...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram