علي حسين
في كتابه"مراسل"يخبرنا الصحفي الأميركي الشهير سايمون هيرش أنه بعد حصوله على جائزة بوليتزر عن تحقيقاته الصحفية المثيرة، طلبت منه صحيفة نيويورك تايمز أن يكتب مقالين في الأسبوع. لكنه من دون أن يفكر في العرض أعلن رفضه، فقد اكتشف أن في إمكانه أن يكتب مقالا واحدا، أما أن يكتب اكثر. من أين يأتي الأفكار، لكنه في مقال أسبوعي واحد باستطاعة القضاء على مستقبل رئيس الوزراء لو اتهمه بعدم الحفاظ على حياة مواطن واحد، في بلاد النهرين أمام الكاتب من أمثال جنابي الذي يتوهّم أنه"مهمّ"ويمكن أن يقرأ له أصحاب الكراسي، وفرة في الموضوعات، ولهذا وجدتني اليوم في حيرة، هل أكتب عن نكتة حيدر العبادي التي طالب فيها الجماعات المسلحة أن"تستحي"و"تنزع"أسلحتها بنفسها! أم أكتب عن استمرار الأحزاب"المؤمنة"بحوسمة بيوت المسيحيين، أم عن القرار التاريخي الذي أصدره مجلس القضاء بمنشادة الإنتربول لملاحقة الإعلامي هاشم العقابي،لأنه تجرّأ وتحدّث عن بعض"الخطوط الحمر"؟ سيقول البعض ياصاحب العمود الثامن، لماذا تلفّ وتدور ولا تتحدث عن استشهاد عدد من أفراد القوات الأمنية على يد عصابات داعش، هل أصبح الدم العراقي رخيصاً إلى هذا الحد .
نعم أيها السادة أصبح الدم العراقي رخيصاً، والسبب نتحمله جميعاً، لأننا بعد أيام سننسى هذه الجريمة، مثلما نسينا ما جرى في الموصل وجسر الأئمة وبغداد الجديدة والشعلة، وانفجار مدينة الصدر، فلا تهتمّ عزيزي القارئ،لأنّ كلّ الذين شغلتهم هذه الجريمة سيستخدمونها مادة في مفاوضات تشكيل الكتلة الأكبر، وسيخلدون إلى النوم العميق بعد أن يوهموا عوائل الضحايا بان الحكومة اقتصت من المجرمين.
ليس مهمّاً عدد الضحايا، ما دمنا نعيش في ظل جمهورية"اصحاب التقوى"، ما دام سرقة دارالمسيحي عملاً بطولياً، ما دام البعض يعتقد أننا بحاجة الى إعادة ضبط منظومة الأخلاق، ما دامت الأجهزة الأمنية تعتقد أنّ إلقاء القبض على سيارة تحمل زجاجات خمر، أهم وأكثر ثواباً من القبض على مجرم قتل مئات الأبرياء!
عزيزي المواطن، لا شيء سيتغير، العبادي سيحيل حادثة مقتل المخطوفين إلى لجنة مختصة، والمختصة ستحيلها إلى مهنيّة، والمهنيّة ستحيلها إلى جهة امنية ستخرج على الناس لتقول لهم ان"الدواعش ناقضين للعهود".