TOP

جريدة المدى > عام > الروائي والقاص أحمد خلف: الكثيرون استهانوا بكتابة القصة القصيرة وقادوها نحو الابتذال

الروائي والقاص أحمد خلف: الكثيرون استهانوا بكتابة القصة القصيرة وقادوها نحو الابتذال

نشر في: 30 يونيو, 2018: 07:08 م

حاورة/ خالد مهدي الشمري، زينب المشاط

يحتل القاص والروائي أحمد خلف مكانة بارزة بين الروائيين العراقيين المعاصرين باعتباره أكثر عطاءً منذ ستينيات القرن العشرين وحتى الآن وهو اذ يحاول ان يحلل التناقضات الاجتماعية والثقافية والعمل ضد ثقافة الاستبداد والتهميش والاقصاء، انما غايته الوصول بفن الكتابة الى أرقى مستويات الحداثية وتوفير عناصر التأثير والتغيير في نفوس قرائه ومحبيه ومعجبيه وهو بهذا ينفرد بخصيصة المزاوجة بين المعنى المطلوب والفن الجميل الذي يصبو اليه إنسان هذه المنطقة من العالم.
ينتمي الكاتب أحمد خلف الى الجيل القصصي الستيني الذي عرف بالتفرد الريادي شكلاً ومضموناً وتعد قصة (وثيقة الصمت) أول قصة نشرت له في ملحق الجمهورية وذلك عام 1966.

مؤلفات كثيرة منذ القصة الاولى وحتى يومنا هذا صدرت للكاتب، والتي لو تحدثنا عنها لنضبت صفحاتنا، من أبرزها مجموعته القصصية الاولى (نزهة في شوارع مهجورة )، وروايته الأولى (الخراب الجميل)، مروراً بكتابه (دراسات نقدية) وهو عبارة عن مجموعة دراسات عن القصة والرواية العراقية، حتى كتابه عن السيرة الثقافية بعنوان "الرواق الطويل" الصادر عن دار المدى، وأخيراً روايته (تسارع الخطى) ومجموعته القصصية (عصا الجنون ) ومع هذه المسيرة الطويلة مايزال أحمد خلف في قمة عطائه الأدبي، في حوار للمدى مع الكاتب استطعنا أن نُسلط الضوء على مسيرته إضافة الى الحديث عن الواقع الثقافي الراهن بكل تفاصيله:

• كيف يُمكن أن يتعامل الروائي مع الكاتب البسيط والنخبوي من خلال مؤلفاته؟
- لا يوجد قارئ عادي أو بسيط وآخر غير عادي او غير بسيط، بل هو قارئ واحد، ما دام الإنسان الذي نعنيه يمسك كتاباً ويقرأ إذاً هو قارئ، لكن ثمة كتاب مهم للروائية الانكليزية فرجينيا وولف اسمته بـ "القارئ العادي" وما دام الكتاب قد اخذ تسمية القارئ العادي افترضنا ثمة قارئ غير عادي وأنا هنا لا أقصد القارئ المثقف، ذلك أن المثقف صفة جاهزة ولا تحتاج الى تسمية أو وضعها في نمطية بل تحتاج الى تعريف شأن قولنا القارئ العادي إنما أقصد القارئ الذي يقف في الضد من القارئ العادي هو القارئ الواعي لدور القراءة وضرورة الاهتمام بما يقرأ والقارئ الواعي يتصف بالمهنية والاحتراف كالأدباء والمثقفين والشعراء والروائيين هؤلاء لديهم القراءة احتراف بل ومهنة ان لم تكن سلوكاً مدروسأ، وهنا على الروائي أن يصل الى جميع هذه المستويات الفكرية وملامسة وعيها من خلال مؤلفاته.

• هل وظيفة الأدب العراقي إرضاء القرّاء ؟
ينطوي السؤال على افتراض تعوزه الدقة في التقصي الشامل للأدب العراقي، إذ يطرح صاحب السؤال فرضيته بصورة الإطلاق والتعميم، والحق إن الظاهرة الادبية في العراق ومنذ اشتداد عضد الدكتاتورية عانى هذا الادب حالة لا إنسانية من إقصاء وتهميش وتنكيل للكثير من مبدعيه وبالقدر الذي أساءت له هذه الحالة اللاإنسانية فقد خدمته بصورة خاصة اذ تصدى الكثير من الشعراء والقاصين الى طبيعة الحكم وما يعانيه الناس من جور وتعسف وحرمان للحرية العامة والشخصية على حد سواء ، هذا الذي نورده هنا هو جزء من تصدي الأدب للتابوهات الثلاثة ( السياسة والجنس والدين ) وبدافع من قصائد وقصص معينة وجد فيها الرقيب الرسمي إهانة له ولطبيعة الحكم الذي يؤمن به آنذاك ، دفع عدد من الكتّاب حياتهم ثمناً باهظاً بسبب تصديهم الى الظاهرة السياسية.

• لماذا لم نجد مؤلفات عراقية أدبية تعنى بدراسة ظاهرة التابوهات ؟؟
يُمكن أن نقول أنه في السابق كان يعاني الاديب من هذا الحظر تجاه التعامل مع التابوهات، اما اليوم اعتقد ان القصاصين والروائيين العراقيين يتبارون في الإطاحة بالطبيعة الثيوقراطية المتخلفة للنظام الحالي ويطرحون عبر قصصهم ورواياتهم صورا شتى من امتزاج الجنس بالسياسة ونقد رجال الدين ( وليس الدين كمجموعة شرائع وأسس وقوانين ) الذين وجدوا انفسهم يتحكمون بمصائر الناس هنا في هذا البلد. وعلينا أن ندرك ان الادب العراقي لا يشذ عن بقية الآداب والفنون في بلدان العالم الثالث اذ ينقسم الادب وكذلك الثقافة الى نوعين من الكتابة وهما أدب رسمي ممتثل لأطروحات السلطة السياسية ويدافع عنها بل ويروج لأفكارها الرجعية التي تتسم غالبا بتكميم الأفواه، ويتحول هذا الأدب الرسمي وصانعوه الى أدوات قمع لأصدقائهم وزملائهم والقريبين منهم من أدباء وكتّاب، ونوع آخر يقف في الجانب المضاد من نهج السلطة مهما كانت مراميها ونوع نهجها السياسي إلا أن هذا النمط الابداعي يرفض تلك السلطة وحكمها على اعتبار أن الادب لايمكنه العيش إلا في مناخ الحرية والانفتاح والمواجهة لكل أمراض السياسة وكل أصناف وذرائع تدخل رجل الدين في مفاصل الدولة ولا ينكر ما نقوله بخصوص نقد التجربة الحالية شأن ماجرى ويجري مع التجربة السياسية السابقة، ولا نكلف أنفسنا جهداً كبيراً في الوصول الى الروايات والمجاميع القصصية والشعرية التي تتصدى لظواهر انحلال السياسة ورزوحها في مستنقع الفساد أو نقد انهيار النظم والشرائع الدينية على أيدي رجال هم أبعد ما يكونون عن طبيعة السياسة والدين ، إن المطالبة بالحرية هي علامة بارزة من علامات الأدب الإبداعي العراقي وهذه المطالبة وحدها يمكن أن تكون رداً ناجعاً على السؤال الافتراضي هنا .

• هل القصة تمر بمراحل زمنية وهل نستطيع القول بأن القصة الحديثة مغايرة للقصة القصيرة التي كانت تكتب فيما مضى ؟
- نعم لا مفر من الإيمان بالتطور العضوي الذي يمكن له أن يشمل كل مفاصل الحياة والأدب، والثقافة لا تقف في الضد من الحياة بل نراها تلتحق بموكب التطور والتغير نحو الأفضل والقصة القصيرة أحد الفنون التي تخضع لسنن التطور المادي والاجتماعي، وكان المفهوم السائد في المراحل الزمنية السابقة تسمى القصة القصيرة كحكاية أو سالوفة وهي تخضع لقوانين الملحمة الارسطية خضوعاً لا مفر منه، لكنها من المستحيل أن تبقى محافظة على وتيرتها الذاتية في عصر الكومبيوتر وثورة الاتصالات، لهذا نراها قد تمردت على أرسطو وملحمته وأعلنت عن انتسابها الى عصرها الحديث.
• نستنتج مما ذكرت خلال اجابتك على السؤال السابق إن القصة القصيرة في العراق خضعت الى سلسلة من الصدمات والكثير من الإهمال إضافة الى استغلالها رسمياً فيما مضى ؟
- نعم لقد استسهل الجميع كتابة القصة القصيرة واستهانوا بها وبصيرورتها بل وجدنا من يكتب في اليوم والأسبوع الواحد قصة جديدة ولا خلاف في ذلك ولسنا من الوعاظ لكننا وجدنا من يستهين بفن كتابة القصة الى الحد الذي دفع بالعشرات من المتعلمين أن يكتبوا القصة من منطلق نفعي وكان عدم الاحترام لهذا الفن السردي المحترم أن تمت الاستهانة بطبيعته حتى وجدناها عبارة عن كلمات لا رابط بينها بل إنها عادت ثانية الى زمن السالوفة والحكاية المبتذلة .

• هل لك أن تتحدث لنا عن كتاب ( تحولات انكيدو ) وما يُخبئ من أفكار ورائه؟
- ينمو معي هذا النوع من الكتب خلال سنوات كتابته بالتدريج وحسب الموضوع أي يخضع محتوى الكتاب الى التراكم الكمي للزمن ثم تبدأ مرحلة الانتقاء والمفاضلة بين الموضوعات ومحتواه هو عدد من المقالات والأفكار المكتوبة على شكل رؤيا ثم تأتي الحوارات وطرح الأفكار الحيوية، لهذا نجد إقبالاً على هذا النوع من الكتب لطبيعته المرنة وتعدد موضوعاته، وتحولات انكيدو ليس كتاباً يختص بالثقافة السومرية كما يوحي العنوان بل هو مجموعة من الأفكار والمقالات وكذلك الحوارات الجادة الرصينة .

• من اقوالك منذ زمن ليس بالقصير "آمنت أن لاكتابة بريئة كما لا توجد قراءة بريئة هي الأخرى، بل احسبهما يسيران نحو أهداف محددة بعضها معلن ، أما البعض الآخر فهو خاص بصاحبه؟ هل لاتزال عند هذا الرأي؟
- طبعاً كيف تكون الكتابة بريئة وكيف نوافق على أن فلان يقرأ ببراءة ؟ اعتقد ان هذا أمر مضحك، لكن دعنا نسأل ما معنى البراءة وما معنى قراءة بريئة؟ أو كتابة بريئة؟ الآن ينظر الى البراءة نظرة شك واستهجان لأنها تنتسب الى السذاجة والاستغفال وعدم الاهتمام بالصراع لان البريء يريد أن يبقى بريئاً أي لايغامر في عفته وبراءته، لهذا فأنا حين انوي القراءة في كتاب فلسفي أو من علم الاجتماع فان لي غاية من القراءة ولي هدف ولعل من أهدافي أن أدرك مدى تطابق أفكار الكتاب الذي أطالع كلماته مع مشروعي في الكتابة، وما دمت أمتلك مشروعاً في كتابتي لقصصي ورواياتي فان البحث عن مريدين ومناصرين ومحبين لهذا النص ولمؤلفه لا يجعل كتابتي بريئة، اذ كل هذه الأهداف الصارخة وتسألني إن كانت كتابتي او ما أقرؤه بريئاً ؟؟؟

• أي من أعمالك الأدبية أقرب إليك؟
- كل رواياتي عزيزة علي كما هو معروف لكن ثمة حالات خاصة تجعل هذه الرواية أقرب الى نفسك أكثر من سواها , روايتي ( الحلم العظيم ) تختلف عن غيرها من الروايات الاخرى لأن هذه الرواية احتوت على الهم الذاتي والهموم الجماعية ..

 

 

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

"مُخْتَارَات": <العِمَارَةُ عند "الآخر": تَصْمِيماً وتَعبِيرًاً> "قَحْطَانْ اَلْمِدْفَعِيِّ"

رحلة إلى ديوانية (النفّري)

موسيقى الاحد: أجمل قاعات الموسيقى

البعث الرواية الثالثة لتولستوي لكنها الأكثر إنسانية

المدينة وأسوارها الغامضة رواية هاروكي موراكامي الجديدة

مقالات ذات صلة

معضلة الصداقة الفكرية واقترانها بالحب
عام

معضلة الصداقة الفكرية واقترانها بالحب

جوني ثومسُن*ترجمة: لطفية الدليميسؤال وردني على البريد الالكتروني:عزيزي السيد ثومسنفي أواسط سبعيناتي قابلتُ إمرأة تصغرُني بعشرين عاماً، وقد أبانت عن اهتمام فكري بي لا يمكن تغافله أو الالتفاف عليه. هي في عمر ابنتي، وأنا...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram