طالب عبد العزيز
أثار مشهد اقتلاع الجرافات للنخيل في منطقة بشمالي البصرة فزع سكان المدينة، وكان التنديد بالفعل علامة احتجاج ورفض واضحة، ولم يكن رد وزارة النفط الذي قال بالتعويض مقنعاً لأحد، هناك قضية أكبر من تعويض الأرض والنخل والبساتين، حتى وإن سلمنا بان النفط أثمن، وهو بمردوده المالي يسهم في إنعاش البلاد وتطوير بنائها الاقتصادي، وما الفعل الذي قام به أحدهم بشق قميصه إلا الصورة الحقيقية للمشهد، فلا نفط ولا غاز يساوي تجريف نخلة وردم نهر ومن ثم هجرة الناس وامحاء الحياة في المنطقة.
إذا كان النفط نعمة على السكان في مناطق ما من العالم فهو نقمة على سكان البصرة، إذ أن الامطار الحامضية التي سقطت شهر مايس الماضي، كانت قد أتت على زراعة الخضار فيها، وكانت ردهات المستشفيات قد استقبلت المئات من سكانها من مرضى الربو، نتيجة لاختناقهم بالهواء المنبعث من الأرض بفعل اختلاط المطر مع التراب، أما حديث سكان المدينة عن السرطان فلا حاجة لنا بسرده، كل ذلك والنفط هو السبب. هل انتقلت ملايين البراميل المصدرة من نفط البصرة بحياة الناس وطورتهم، هل تجد لها تأثيراً في الشارع والسوق والبيوت والمدرسة؟ ابداً، فالحياة من تسوء في كل مفاصلها، والسبب النفط.
لو عدنا بالزمن الى ما قبل النفط لوجدنا الحياة أفضل بكثير، فلا أمراض ولا خراب في البيئة، وكان الناس في رغد العيش مما يأتيهم من نخيلهم وانهارهم، وما سمعنا عن مرض واحد استوطن المدينة. المنتفع الأكبر من النفط ليس أهل البصرة، فقد كان يهرب ويقبض ثمنه قادة الأحزاب والمليشيات، وأمواله تذهب اليوم الى جيوب اللصوص السياسيين، ويشتري به أبناء القيادات سيارات الفيراري والفلل في أمريكا وأوروبا والأردن والخليج، وكانت مبالغ طائلة منه قد دفعت كتعويضات على ما قام به صدام حسين، وهو اليوم كيس مال بيد السلطان يشترى به الذمم وتنفقه الأحزاب في حملاتها الانتخابية ويقترح وزير الخارجية منحه مجانا الى الدول ابتغاء تسويات سياسية بمشورة أمريكا.
معلوم، أن لا تخلو قطعة أرض في البصرة من نفط، وما حقل السيبة الغازي إلا الدليل على ذلك، بمعنى أن المدينة عائمة على محيط نفطي غازي، يا ترى، هل تعمد الشركات النفطية الى حفر آبارها في ما تشاء من الأرض. هذه المنطقة (المدينة وباهلة والحلاف ووو) التي شاهدناها في مقطع الفيديو، وهي تجرف وتزول معالمها الخضراء، كان تسد حاجة العراق من محصول الطماطة في سبعينيات القرن الماضي، نعم، وأنا شخصيا شاهد على ذلك، حين كنت موظفا في دائرة تسويق الفواكه والخضر، وما زالت عيني تحتفظ بصور عشرات الشاحنات، التابعة لشركة النقل البري(قاطرة ومقطورة) التي شكلت أسطولاً غير منقطع، يسيّر بين البصرة وبغداد وشمال العراق، لماذا لا تراجع الدوائر المعنية سجلاتها في ذلك، ولمصلحة من يخرب اقتصاد البلاد في الزراعة والصحة والبيئة؟ ما الذي يحدث بحق.
قد لا تحتاج عملية حفر بئر نفطي المساحة الواسعة هذه، فقد شاهدنا في مدن ما بالعالم أن عمليات الحفر انما تتم بحدود ضيقة من الأرض، وتتداخل خطوط النقل مع السكك الحديد والشوارع الرئيسية، داخل وخارج المدينة، دونما ضرار وتعطيل للحياة. يحدثني أحد المهندسين العاملين في إحدى الشركات النفطية الأجنبية بأنَّ الشركة وبغية الحصول على نسبة عالية من النفط الصافي خالية من الغاز، فأنهم يجعلونه يتدفق ساعات وأياماً، ربما، ليشكل بحيرة نفطية كبيرة، بمعنى ان ليس هناك وحدات لعزل الغازكما معمول به في دول العالم.