TOP

جريدة المدى > عام > عن الانطباع وما وراءه

عن الانطباع وما وراءه

نشر في: 7 يوليو, 2018: 06:25 م

ياسين طه حافظ

الخطاب، في بعض منه، له مهمة إخبار. والإخبار في الكتابة الأدبية ، يتخذ الوصف سبيلاً للابلاغ فهو الموصوف مايراد الحديث عنه، وهكذا الروايات، حتى ما يتسم منها بالواقعية نقرأ أكثر ما نقرأ فيها وصفاً لفندق، لبيت، لمصنع، ثم وصف الناس هناك وما حولهم من طبيعة أو ما تحفل به المدينة، الشارع، البيت وما في هذه من أشياء وحركة.

 

هذا الوصف، ذو الاتجاه الانطباعي، ليس هو المعبّر عن الحقيقة، عن واقع الشخوص أو الأحداث. يبدو هذا رؤية أو تصوير عابرين. المعايشة تقدم وصفاً آخر. تقدم حياة واقعية وناساً يحبون أو يموتون مرضاً أو يستنجدون او يعانون ولا حل ولا من يضع حداً.
وحتى الذي على دراية ويحدثنا ، قد لايكون له وعي سياسي، أو اجتماعي وقد تقوده ثقافته الى ماهو بعيد عن الحقيقة .ونتيجة ذلك نحن نجهل الناس والمدينة في الرواية. أو حيث وقع الحدث. يضعنا هذا أمام إشكال صعب ، إن الانسان قد يضحي لما يتوهمه صواباً وقد يُفجع وهذا كثير، بما لم يكن يتوقعه. ليس هو خطأ الطرف الآخر المخيّب، ولكن خطأ التصور والفهم أيضاً.
نعم، قد لايكون الحديث عن الجماعة أو عن سكنة المدينة، ولكن إن (( توجد هذه الخصائص في شخصية، ويقال هي تعبر عن المدينة وعصرنا وما فيه.. هذا الكلام صحيح لكن عليه نسبة من الاستدراكات ليست هينة.. كيف تجتمع خصائص معينة لمدينة وعصر معينة ومؤثراتها في شخص ويمثلها؟ من الذي تبنّى واحتفظ؟
إذن هو أضاف مما عنده وما ورث. إذاً هو لايعبر عن المدينة إلا لكي يقول تعميماً هي صفات عصره وهذه هي أخلاق ذلك الزمن وتلك هي حياتهم. وهذا كلام عام مرفوض علمياً.
بعض الشخصيات رقيقة، خضوعة، متجاوبة، فهي تمثل جملة نماذج. مع ذلك هي لا تمثل مدينة ولا نستطيع أن نؤكد على ساخط أو حكيم أو أخلاقي ونقول يمثل البلدة كامل التمثيل فكراً، عواطف موروث. وحتى إذا اتفقنا على حادث معين أو على شخصية معينة ، تظل له صور أخرى غير التي حملناها عنه .فأنا أراه غيرما تراه وهو يرى نفسه غير ما نراه نحن. للثقافة الشخصية والتكوين النفسي، وماضي الأفراد ، وكوامن حاضرهم ونواياهم فعلها الواضح والخفي.
وإلا، من يستطيع أن يحكم بدقة على الغريب الذي وصل المدينة أو نزل الفندق أو سكن في الجوار؟ كل له رأي، والحقيقة لدى صاحبها! نحن نعيش ونقرأ ونتحدث مع غير المؤكد. مع التخيلات والظنون و الاجتهادات. ونسبة احتمال الخطأ هي الكبرى. هكذا وننسجم مع ناس وأحداث تخيلاتنا وتصورات الاخرين عنها. نحن إذاً، نعيش في متاهة المجاهيل، بل اذهب ابعد من ذلك فأشك بأن أعظم العشاق يعرف حقيقة حبيبته، ويعرف بدقة كاملة ونافذه خفيّ مشاعرها. والا فهي السعادة المثلى. لا أظن واحدة حظيت بذلك الفهم الكامل والمعرفة وإن كثر التغزل وطابت الكلمات ! كم ظلمنا شخصيات وكم صدَمَنا خطأُ بعض الأقوال. في أغلب المسرحيات الاغريقية و الاليزابيثية وقصص وأخبار اليوم، لا ترى الأمور تجري مجرى طبيعياً وكما نتوقع وكما يتوقعون. هذه مرارة. نعم ولكنها حصتنا من التوقعات في العمل، في الإخلاص و التفاني وكثيراً ما في الحب! هل نستعين بالكوميديا لنخفف من الاختناق؟ هل نستعين بالسحر والجنيات ووعينا المعاصر بلغ من الصلابة حداً لا يسمح لنا بعد بالخديعة؟
هل نظل نجد استراحة في الروايات حيث نخلق مشكلة، ونسعى لنجد حلاً لها؟
والى كم نظل بهذه اللعبة، بهذا النوع من الترياقات؟ هل غريب بعد أن ترى الكتاب الجدد ما عادوا يهتمون بالنهايات؟ لقد أدركوا انها احتمال من عديد احتمالات وانها ليست حلاً .ولجأ الكاتب، ولجأنا، للتعاطف والمعايشة حتى يخف الألم أو حتى نخدر او ننسى... وهل فوضى الحياة؟ وفوضى الاحداث وفوضى اللامتوقعات حولنا هي التي قادت الحداثويين من الكتاب للاهتمام بما يجري وترك الحلول والنتائج؟
بقي السؤال الصعب: نعم نحن نعيش. نعم في متخيلات وحقائق أو أشباه حقائق. نعم لا حلول. ولكن كيف لعطش أفئدتنا وكيف لأشواقنا التي ترى فيما أمامها اكثر مما فيه ونشتعل بحب صامت لا تنفع الحكمة معه، فلا عزاء ولا سلوى.؟

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق للكتاب

مقالات ذات صلة

الاعتياد على مسالك الحياة السهلة:  صفقة مع الخطر
عام

الاعتياد على مسالك الحياة السهلة: صفقة مع الخطر

ألِكْس كورمي* ترجمة: لطفية الدليمي بينما أكتب الآن هذه الكلمات يرسلُ هاتفي النقّالُ بطريقة لاسلكية بعضاً من أعظم ألحان القرن الثامن عشر (مؤلفها الموسيقار العظيم باخ لو كنت تريد معرفة ذلك!!) إلى مكبّر الصوت...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram