TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > قناديل: هذا زمن الاستعراض: ولكن هل ثمة متفرجون ؟

قناديل: هذا زمن الاستعراض: ولكن هل ثمة متفرجون ؟

نشر في: 16 يوليو, 2018: 11:14 ص

 لطفية الدليمي

       نتكلم  هنا وهناك ، في المجالس ومحطات التلفزة  والاجتماعات  والإذاعات ولكن هل ثمة من يصغي ؟؟ هل هناك مايكفي من الناس لسماع كل هذا الكلام البشري المتدفق من كل مكان ؟؟ الإصغاء فن إجتماعي راقٍ يتطلب قدرة على أن تكون متلقياً جيداً تتفاعل مع من يحدثك وتتواصل معه بإجابات من صلب موضوعه فهل هناك مايكفي من المنصتين الجيدين لاستيعاب طوفان الكلام بكل اللغات ومن كل جهات الكوكب ؟؟ هل هناك مستمعون بقدر منتجي الكلام ؟؟

   نكتب كثيراً وتظهر كل صباح ملايين النسخ من الصحف الورقية والالكترونية في بلدان الشرق والغرب ، ومعها تصدر أعداد هائلة من الكتب في كل أنحاء العالم وبكل اللغات الحية، ولكن هل ثمة  عدد كاف من القراء ليهتم بكل هذه الإصدارات ؟؟من يقرأ كل هذه الكتب والصحف والمواقع الالكترونية  حقيقة ؟؟

 مئات الملايين بل مليارات الأشخاص يكتبون على تويتر والفيس بوك  ليثبتوا وجودهم في ازدحام هذا العصر المضطرب بأية طريقة ، بعضهم  صار ينتج فيديوهات على اليوتيوب أي تحول إلى ( يوتيوبر) يقدم مايشاء من   صور وفعاليات  وخطابات من غيررقابة او محاسبة على صحة المعلومة التي يطلقها في فضاء اليوتيوب أو جدوى المادة التي يطرحها للناس ، الكل أصبحوا فنانين وكتاباً ومهرجين وراقصين وأطباء شعبيين وطباخين ومصممي ديكور ومشعوذين ومروجين للاعلانات من أجل كسب الأموال بلا اي اعتبار لأية قيمة سوى هوس الظهور والشهرة .

  يقول الفيلسوف الألماني بوريس غرويس : 

 ( نحن نعيش في عصر الاستعراض. وما يتغير الآن أن كل شخص يود أن يصير بطلاً، يريد الجميع أن يستعرض ما يعرفه وأن يتحصل بالمرة على نجاح. نجد هناك ماي سبيس   ويوتيوب يود الجميع أن يعبر عن نفسه، الجميع فنانون. مع هذا تنشأ مسألة جديدة: من المتفرج؟ )

  الكل أبطال و الجميع يلقون كلمات الحكمة والنصائح على جمهور وهمي من متفرجين مفترضين،  هم في الوقت ذاته يودون أن يكونوا أبطالاً في مجال مغاير أو مشابه ، حتى تحول كل شيء إلى استعراض سائل متدفق بلا حدود وعمت فوضى الأفكار والتلفيقات ووسائل الخداع والشعوذة أشبه  بطوفان  اكتسح  كل شيء وحوصرت الأرواح الرقيقة المنتجة الحقيقية للفن والإبداع والأفكار الأصيلة وتسيد المسرح أبطال فارغون يستجدون المتفرجين وجمهور المخدوعين .

   يشير الفيلسوف غرويس إلى أن  معظم الناس يتكلمون طوال الوقت ولكنهم غير متأكدين من وجود أحد معني بما يقولون ، فعصر الاستعراض السائل بحاجة إلى كثير من المتفرجين لكننا لانجد أحداً فقد تحول معظم سكان مواقع التواصل الى منتجين للكلام والكتابات السطحية والأفكار التي لم تخضع للاختبار، بل أن البعض يجرؤ على تقديم تنظيرات في قضايا لا يملك  معرفة أكيدة فيها ، الاستعراض أصبح آيديولوجيا الذوات الخاملة  التي وجدت متسعا من الفضاء الالكتروني لتعرض تفسها وتتمتع بدور البطولة ، وهم يتخيلون وجود متفرجين لامرئيين يتلقون استعراضاتهم .

  ثمة بين هؤلاء الأبطال الموهومين من يطلق خطابات أيديولوجية  سياسية وآخر يقدم خطاباً دينياً  وغيره يشدد على رفض المختلف ويوجه انتقادات فادحة ويؤلب  خلال خطابه المتشنج  على إقصاء المختلف بل واستبعاده من الوجود / قتله ، يهاجمك أمثال هؤلاء  كالوباء من كل الجهات : من الفضاء الألكتروني والإذاعات والشوارع والمنابر وسيارات النقل ، يمثلون أدوار البطولة ويحولونك إلى متفرج بالإكراه وماعليك حينها سوى أن تتخذ موقع الدفاع لتنجو من  قصفهم وتحيّدهم.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

عمليات بغداد تغلق 208 كور صهر و118 معمل طابوق وإسفلت

أسعار الصرف اليوم: 143 ألف دينار لكل 100 دولار

ترامب: أوقفتُ 8 حروب وأعدتُ "السلام" للشرق الأوسط

الأنواء الجوية: انتهاء حالة عدم الاستقرار وطقس صحو مع ارتفاع طفيف بالحرارة

حصار فنزويلا ينعش النفط… برنت وغرب تكساس يقفزان في آسيا

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

هل ستعيد التشكيلة الوزارية الجديدة بناء التعليم العالي في العراق؟

العمود الثامن: معركة كرسي رئيس الوزراء!!

العمود الثامن: من كاكا عصمت إلى كاكا برهم

العمود الثامن: عبد الوهاب الساعدي.. حكاية عراقية

السيد محمد رضا السيستاني؛ الأكبر حظاً بزعامة مرجعية النجف

العمود الثامن: يزن سميث وأعوانه

 علي حسين منذ أيام والجميع في بلاد الرافدين يدلي بدلوه في شؤون الاقتصاد واكتشفنا أن هذه البلاد تضم أكثر من " فيلسوف " بوزن المرحوم آدم سميث، الذي لخص لنا الاقتصاد بأنه عيش...
علي حسين

كلاكيت: مهرجان دهوك.. 12 عاماً من النجاح

 علاء المفرجي يعد مهرجان دهوك السينمائي مجرد تظاهرة فنية عابرة، بل تحوّل عبر دوراته المتعاقبة إلى أحد أهم المنصات الثقافية في العراق والمنطقة، مؤكّدًا أن السينما قادرة على أن تكون لغة حوار، وذاكرة...
علاء المفرجي

فـي حضـرة الـتـّكـريــم

لطفيّة الدليمي هناك لحظاتٌ تختزل العمر كلّه في مشهد واحد، لحظاتٌ ترتفع فيها الروح حتّى ليكاد المرء يشعر معها أنّه يتجاوز حدود كينونته الفيزيائية، وأنّ الكلمات التي كتبها خلال عمر كامل (أتحدّثُ عن الكاتب...
لطفية الدليمي

سافايا الأميركي مقابل ريان الإيراني

رشيد الخيّون حصلت أكبر هجرة وتهجير لمسيحيي العراق بعد 2003، صحيح أنَّ طبقات الشعب العراقي، بقومياته ومذاهبه كافة، قد وقع عليهم ما وقع على المسيحيين، لكن الأثر يُلاحظ في القليل العدد. يمتد تاريخ المسيحيين...
رشيد الخيون
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram