ستار كاووش
هاهو شاب في بداية العشرينيات من عمره، يشغل العالم الآن، بخطوطه وخربشاته التي انتشرت مثل الأميبيا فوق سطوح غير متوقعة، وفي أماكن لم تخطر على بال أحد. غزا هذا الرسام كل مكان، بتكويناته السريعة المرتجلة، وأبهر الملايين وهو يستعرض خياله أمام الناس في كل خطوة تطؤها قدماه، حاملاً بيديه أقلامه السوداء السميكة، وبانياً من خلال خربشاته يوتوبيا شخصية تثير الحيرة والتساؤلات، لما تحمله من غرابة وخصوصية وتأثير، ليكون ملكاً للخربشة.
هكذا خرج سام كوكس أو (مستر دودل) كما يُلَقَّب، من أحد أحياء لندن، شاهراً أقلامه، ليرسم فوق كل شيء يصادفه وعلى كل سطح يقع تحت عينيه، فهو لا يتوانى من الرسم على الحيطان وزجاج النوافذ والتماثيل والمونيكانات الجاهزة، على الجرائد والملابس والكراسي والأحذية والسيارات وموائد الطعام، على الأرائك والسلالم والحقائب، على حيطان غرف النوم والتواليتات والمطابخ، على التلفاز، وفوق أي جهاز يقع بين يديه. هكذا تنتقل عدوى رسوماته وتتناسل فوق كل شيء، مثل زكام لا يقدر على إيقافه أحد، أو ربما لا يرغب بإيقافه أحد!
يطل علينا مستر دودل، ومعناها (سيد الخربشة) بملابسه التي رسمها بنفسه وقبعته وشعره الأحمر، بوجهه الطفولي وحركاته المضحكة، وحضوره الذي يشبه نجوم البوب، ليحول الرسم الى حلم غريب، وهو يحكي حكايات خرافية لشاب من هذا الزمن، ويدخلنا في قصص مليئة بأشخاص ورموز وكائنات لا نعرفها، لكن مع ذلك، لا نتردد بالتواصل معها ومشاركتها القفزات ولحظات المرح، ببساطة ويسر ومتعة، بعيداً عن توتر وضغط الحياة اليومية.
لا يُخفى طبعاً على متابعي تاريخ الرسم وتقنياته، بأن مستر دودل قد تأثر كثيراً بأعمال الرسام كيث هارينغ ورموزه وإشكاله الغريبة، لكن رسامنا الجديد هذا، خطا بهذه الأشكال والخطوط نحو مساحات لم يكتشفها أحد ونثرها في فضاءات غير متوقعه، ووضعها بأيدي الجميع، لذلك أحبه الكثيرون صغاراً وكباراً، حيث يعشق الأطفال بشكل خاص رسوماته التي تدخلهم في عوالم بعيدة وساحرة ومجنونة. إنهم لا يتابعونه فقط، بل ويلتقطون الصور التذكارية معه، كأي نجم محبوب.
ينتمي عمل مستر دودل بشكل ما الى فن الغرافيتي، لكنه عَكَسَ فكرة هذا الفن، حين سَحَبَهُ من الشارع وأدخله غرف النوم والمطابخ وحتى دفاتر المدرسة. فلا يهم هذا الرسام حجم السطح الذي يرسم عليه، فهو في كل الأحوال، لا يتوقف إلّا حين تصل يده الى الحافة، وسيان عنده الرسم على دفتر ملاحظات صغير أو جدار بناية من عشرة طوابق، فمتعته الوحيدة هي حين ينشر رموزه هنا وهناك، وينسج خطوطه المتداخلة التي تشبه الكتابات السريعة أو اللافتات التي كُتِبَتّ على عجل، والتي حتى لو حاولت أن تفك رموزها، فستكتشف بأنها ليست رموزاً، بل أشكال وكائنات مرحة، تجعلك تبتسم وتشعر بالسعادة أثناء متابعتها والسير معها على الخلفية البيضاء. لذلك أثناء مشاركته في المعارض يلجأ مستر دودل الى الرسم المباشر أمام الجمهور، وكأنه يدعوهم الى متابعة ولادة الخطوط، والسير بصحبته في هذا الطريق الذي رسمه بالأسود والابيض، والذي تحول بين يديه، الى مملكة مليئة بالأشكال المتزاحمة.
يخرج كل الرسامين صباحاً بإتجاه مراسمهم ليكملوا ما بدأوا به البارحة، إلّا مستر دودل، فهو يمسك أقلامه العريضة ويخرج، راسماً على كل ما يقابله في طريقه، انه لا يتردد ولا يتوانى من الرسم على أكثر الأماكن غرابة، وفوق المساحات التي لا يتوقعها أحد، وكأن خطوطه وأفكاره ليس لها حدود، ولاتريد أن تنتهي، فهي تلتهم السطوح البيضاء وتتدفق مثل شلال ليس له نهاية. إنها تولد لكنها ببساطة، لا تريد أن تتوقف. لتمضي الى الأبد ونمضي معها وسط حكاية هذا الساحر الصغير، وعالمه المليء بروح الدعابة والمرح.