TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > شناشيل: لا علاجَ بالمسكِّنات والقمع

شناشيل: لا علاجَ بالمسكِّنات والقمع

نشر في: 16 يوليو, 2018: 08:06 م

adnan.h@almadapaper.net

 عدنان حسين

ما كان من حسن التفكير والتدبير أن يتوجّه رئيس الوزراء حيدر العبادي الى البصرة مباشرة، قادماً من العاصمة البلجيكية، بروكسل، بعد حضوره اجتماعاً لزعماء ومسؤولين كبار آخرين في التحالف الدولي المناهض لداعش والمنخرط في حرب ضده في العراق وسوريا.
وما كان من حسن التفكير والتدبير أن ينزل العبادي في مطار المدينة المنتفضة في عزّ الصيف من فرط جوعها الى الطعام والكهرباء وسواهما، محتفظاً بكامل أناقته الرسمية (البذلة وربطة العنق) التي كانت من لوازم المشاركة في المؤتمر الدولي.
ولم يكن من حسن التفكير والتدبير أيضاً أن يُقصر العبادي اجتماعاته في البصرة على بعض المسؤولين المحليين وما يسمّى برؤساء العشائر، وهم جميعاً جزء كبير من المشكلة.
حسن التفكير والتدبير كان يقتضي أن ينزل العبادي في مطار البصرة بملابس "الكاجوال" (قميص نصف كم وبنطال وحذاء رياضي) فمشهد الزيّ الرسمي الدالّ على الراحة والاسترخاء لابدّ من أن يشكّل استفزازاً بصرياًّ للمكتوين بالحرّ الكافر والجوع الكافر، وكان يلزم أيضاً أن يشمل العبادي باجتماعاته ممثلين عن المتظاهرين والمجتمع المدني وشخصيات اجتماعية وثقافية بارزة، فهؤلاء هم المحرّك الرئيس للحراك الشعبي، أمّا رؤساء العشائر، كما قال بعض المتظاهرين لوسائل الإعلام، فلا يمثّلون حركة التظاهر، ومعظمهم كما هو معروف نفعيّون وانتهازيّون ولا يُؤتمنون على موقف وطني أو اجتماعي.
ولو توافر حسن التفكير والتدبير لرئيس الوزراء لكان قد عاد إلى بغداد أولاً ليعقد اجتماعاً طارئاً للحكومة ومجلس الأمن الوطني وسائر المجالس الاختصاصية التابعة لمجلس الوزراء، ليخرج بخطة عملية عاجلة بتوقيتات محدّدة لتلبية مطالب الحركة الاحتجاجية، وهي بالمناسبة مطالب معروفة ومتكرّرة ومُعترف بأحقيتها وشرعيتها ودستوريتها منذ 2011 ، ثم بعد ذلك يطير إلى البصرة مع عدد من الوزراء المعنيين ليعلن أمام المتظاهرين أو ممثليهم البدء بتنفيذ الخطة التي لا تقتصر على البصرة وحدها، فمشكلة انهيار نظام الخدمات تعاني منها محافظات العراق قاطبة... الكلام العمومي الذي قاله العبادي في البصرة بأنّ حكومته ستحقّق مطالب المتظاهرين فلا أظنّ أن أحداً قد أخذه على محمل الجد، لأنه كلام معاد ومكرّرعشرات المرات من العبادي وأسلافه. أما كلامه عن وجود "مندسّين" بين المتظاهرين فهذه إسطوانه مشروخة سبقه إليها نظراؤه السابقون، وما كان عليه إعادتها، لأنّ الكشف عن "المندسّين" وإبطال مفعولهم إنّما من واجبات الأجهزة الأمنية التي يقودها العبادي مباشرة.
كان من حسن التفكير والتدبير، قبل كل شيء، أن تتضمّن إجراءات العبادي، بدلاً من التعويل على وسائل القمع وتعطيل شبكة الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي، فتح ملفات الفساد الكبرى التي ظلّت مُغلقة على مدى الاثنتي عشرة سنة الماضية، إذ كان على رئيس الوزراء أن يُدرك أنّ علّة العلل على صعيد سوء الخدمات العامة وتدهور الحياة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية في البلد، إنّما تكمن في الفساد الإداري والمالي الذي لم يلمس الناس أي إجراء جادّ لمكافحته وملاحقة الفاسدين واسترداد المليارات التي نهبوها .. بل إنّ كل ما حصل هو استمرار التستّر على قضايا الفساد ، لأنها تطول كبار المسؤولين في الدولة والعملية السياسية، حاليين وسابقين، ممن ظل العبادي يخشى موقف أحزابهم منه خوفاً من فقدان منصبه. بين الشواهد على هذا تواطؤ العبادي وحكومته مع هذه الأحزاب في تشريع قانون العفو العام الذي أطلق أيدي الفاسدين، ومعهم الإرهابيون، في مواصلة فسادهم وإرهابهم، وهو ما كان بين العوامل المؤدية الى أن تبلغ الأمور في الايام الماضية درجة الانفجار.
في المستقبل ستكون الانفجارات أشدّ قوة ووقعاً مادام رئيس الوزراء وسائر المتنفذين في العملية السياسية يريدون العلاج بالمسكّنات منتهية الصلاحية وبوسائل القمع.
انتظروا لتروا...!

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

عمليات بغداد تغلق 208 كور صهر و118 معمل طابوق وإسفلت

أسعار الصرف اليوم: 143 ألف دينار لكل 100 دولار

ترامب: أوقفتُ 8 حروب وأعدتُ "السلام" للشرق الأوسط

الأنواء الجوية: انتهاء حالة عدم الاستقرار وطقس صحو مع ارتفاع طفيف بالحرارة

حصار فنزويلا ينعش النفط… برنت وغرب تكساس يقفزان في آسيا

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

هل ستعيد التشكيلة الوزارية الجديدة بناء التعليم العالي في العراق؟

العمود الثامن: معركة كرسي رئيس الوزراء!!

العمود الثامن: من كاكا عصمت إلى كاكا برهم

العمود الثامن: عبد الوهاب الساعدي.. حكاية عراقية

السيد محمد رضا السيستاني؛ الأكبر حظاً بزعامة مرجعية النجف

العمود الثامن: يزن سميث وأعوانه

 علي حسين منذ أيام والجميع في بلاد الرافدين يدلي بدلوه في شؤون الاقتصاد واكتشفنا أن هذه البلاد تضم أكثر من " فيلسوف " بوزن المرحوم آدم سميث، الذي لخص لنا الاقتصاد بأنه عيش...
علي حسين

كلاكيت: مهرجان دهوك.. 12 عاماً من النجاح

 علاء المفرجي يعد مهرجان دهوك السينمائي مجرد تظاهرة فنية عابرة، بل تحوّل عبر دوراته المتعاقبة إلى أحد أهم المنصات الثقافية في العراق والمنطقة، مؤكّدًا أن السينما قادرة على أن تكون لغة حوار، وذاكرة...
علاء المفرجي

فـي حضـرة الـتـّكـريــم

لطفيّة الدليمي هناك لحظاتٌ تختزل العمر كلّه في مشهد واحد، لحظاتٌ ترتفع فيها الروح حتّى ليكاد المرء يشعر معها أنّه يتجاوز حدود كينونته الفيزيائية، وأنّ الكلمات التي كتبها خلال عمر كامل (أتحدّثُ عن الكاتب...
لطفية الدليمي

سافايا الأميركي مقابل ريان الإيراني

رشيد الخيّون حصلت أكبر هجرة وتهجير لمسيحيي العراق بعد 2003، صحيح أنَّ طبقات الشعب العراقي، بقومياته ومذاهبه كافة، قد وقع عليهم ما وقع على المسيحيين، لكن الأثر يُلاحظ في القليل العدد. يمتد تاريخ المسيحيين...
رشيد الخيون
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram