TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > منطقة محررة: عندما يتحول الذهاب الى الشرق إلى حقيقة

منطقة محررة: عندما يتحول الذهاب الى الشرق إلى حقيقة

نشر في: 17 يوليو, 2018: 08:03 م

 نجم والي

إذا كان الشرق أو الجنوب ترك أثراً على كاتب من شمالي الأرض، فإنه لم يؤثر بمثل هذا الوضوح، مثلما أثر على الدانماركي هانز كريستيان أندرسن ، فالكاتب المولود في مدينة أودنسة الدنماركية في 2 نيسان 1805، والذي يُعد واحداً من الكتاب البارزين في مجال كتابة الحكاية الخرافية، كما يُعتبر شاعر الدانمارك الوطني بدأ اهتمامه بالشرق وعالمه الخيالي منذ وقت مبكر، فهو ورغم كونه كتب في مختلف حقول الأدب كالرواية، والنص المسرحي، والشعر، غير أن موهبته تجلت، أكثر ما تجلت في مجال الحكايات الخرافية التي برع في كتابتها، ليس القصص الخرافية التي سمعها عندما كان صغيراً وحسب، والتي اشتغل عليها لاحقاً بأسلوب بسيط وصبها في قالب الحكاية الشعبية، بل وضع الشرق دائماً نصب عينيه، كأن القص الخرافي الذي تميز به، لم يكن كافياً لإشباع خياله المشبع بالحكايات.
اهتمام أندرسن بالشرق تجلى أولاً بإصداره مخطوطات نثرية بعنوان "كتاب مصور بدون صور" مستوحى من ألف ليلة وليلة، بعد أن كان قد أصدر قبل ذلك بضعة أعمال روائية ومسرحية، كما كان أصدر مجموعة من القصص الخرافية أهمها "حورية البحر الصغير" التي يعدها الخبراء بأدبه، بأنها نقطة انطلاقته الفنية، إلا أن ولعه بالشرق الذي كان بالنسبة له وكما سنعرف من قراءة يومياته أثناء رحلته التي سيقوم بها إليه، جعله يتوق إلى تحقيق حلمه بزيارته للشرق، خاصة وأننا سنعرف من خلال تلك اليوميات أيضاً، أن صاحب "إبن البط القبيح"، كان يشعر في قرارة نفسه، بأنه أكثر ميلاً للعيش في الشرق منه إلى العيش في عالمه، "العالم الألماني الدانماركي الممل"، كما كتب في يومياته مرة، وكأن الكاتب الاستثنائي هذا، كان قد تنبأ مسبقاً، أن رحلته إلى الشرق، ستشكل بالفعل علامة فارقة وتحولاً كبيراً في حياته الأدبية والشخصية، إذ لا يتحول هو وحده بعد عودته مباشرة إلى كاتب قصص خرافية وأساطير بلا منازع وحسب، بل ستغرف قصصه الخرافية في شكلها ومضمونها الكثير من أسلوب القص الشرقي وسحره.
وهي معرفته تلك، التي جعلته أيضاً يتساءل مع نفسه، إذا كان عليه أن يبدأ برحلته إلى الشرق، وإلا فإن شخصاً مثله أولع نفسه بالرحلات مبكراً، ما كان تردد لحظة بالقيام برحلة جديدة.
في يوم الإثنين 29 مارس 1841 أولاً يبدأ هانز كريستيان اندرسون بسؤال نفسه في يومياته (التي نُشرت في أكتوبر/تشرين الأول الماضي للمرة الأولى بترجمتها الألمانية الصادرة)، إذا كان عليه أن يشرع بالفعل برحلته إلى القسطنطينية أم لا، كان حينها ما يزال في أثينا، وكان ترك وراءه آلاف الكيلومترات بعد أن بدأ رحلة بدأت في هامبورغ آلتونا عبر المانيا وإيطاليا ثم طريق البلقان وحتى أثينا اليونان، تردده أو خوفه من الرحلة حمله على الذهاب إلى هانزن أحد أصدقائه المقيمين في أثينا، ليسأله المشورة، ولحسن حظه يتعرف عنده على بوبة الذي كان في القسطنطينية والذي سيشجعه مباشرة على القيام بالرحلة، "نعم، عليك السفر"، سيقول له، على عكس دكتور روس، الذي لا ينصحه بالقيام بالرحلة، بدل ذلك يطلب منه البقاء هنا في اليونان والتجول في الأكروبوليس وغيره، ولحسن الحظ لم يكن هانز كريستيان أندرسن مرتاحاً في أثينا، فبعد جولة قصيرة في المدينة، سيكتب بجزع: "اليونانيون كلهم محتالون" ، وهذا ما يجعله يشجع نفسه على اتخاذ قراره بالسفر إلى القسطنطينية في الثاني من نيسان 1841، بعد أسبوع سيحاول الصعود إلى سطح السفينة الذاهبة إلى القسطنطينية، لكنه يفشل، لأن السفينة تغادر الساعة الرابعة صباحاً، لماذا كان ذلك عائقا؟ هل لأنه لا يستيقظ مبكراً؟ لا جواب، لكن بعد ثلاثة أسابيع بالضبط، في 22 نيسان 1841 ستتحول الرغبة إلى حقيقة، ليصعد أندرسن على سطح السفينة البخارية الفرنسية "رمسيس"، وأولاً في الساعة الثانية عشرة تنطلق بهم السفينة بإتجاه القسطنطينة. ها هو الشرق ينادي، يقول أندرسن، وكم هو سعيد بالذهاب إلى هناك يلبي نداءً قديماً كان يلح عليه كرغبة، ولم يتخيل يوماً أن الرغبة القديمة تلك ستتحقق، عندما يتحول الذهاب الى الشرق إلى حقيقة.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

ملحق معرض العراق الدولي للكتاب

الأكثر قراءة

البَصْرة.. لو التَّظاهرُ للماء والنَّخيل!

العمود الثامن: نصف قرن من التفوق

كلاكيت: في مديح مهند حيال في مديح شارع حيفا

العمود الثامن: مطاردة "حرية التعبير"!!

العمود الثامن: سياسيو الغرف المغلقة

العمود الثامن: سياسيو الغرف المغلقة

 علي حسين في السبعينيات سحرنا صوت مطرب ضرير اسمه الشيخ امام يغني قصائد شاعر العامية المصري احمد فؤاد نجم ولازالت هذه الاغاني تشكل جزءا من الذاكرة الوطنية للمثقفين العرب، كما أنها تعد وثيقة...
علي حسين

زيارة البابا لتركيا: مكاسب أردوغان السياسية وفرص العراق الضائعة

سعد سلوم بدأ البابا ليو الرابع عشر أول رحلة خارجية له منذ انتخابه بزيارة تركيا، في خطوة رمزية ودبلوماسية تهدف إلى تعزيز الحوار بين المسلمين والمسيحيين، وتعزيز التعاون مع الطوائف المسيحية المختلفة. جاءت الزيارة...
سعد سلّوم

السردية النيوليبرالية للحكم في العراق

احمد حسن تجربة الحكم في العراق ما بعد عام 2003 صارت تتكشف يوميا مأساة انتقال نموذج مؤسسات الدولة التي كانت تتغذى على فكرة العمومية والتشاركية ومركزية الخدمات إلى كيان سياسي هزيل وضيف يتماهى مع...
احمد حسن

الموسيقى والغناء… ذاكرة الشعوب وصوت تطوّرها

عصام الياسري تُعدّ الموسيقى واحدة من أقدم اللغات التي ابتكرها الإنسان للتعبير عن ذاته وعن الجماعة التي ينتمي إليها. فمنذ فجر التاريخ، كانت الإيقاعات الأولى تصاحب طقوس الحياة: في العمل، في الاحتفالات، في الحروب،...
عصام الياسري
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram