علاء المفرجي
السينما ورغم التطورالتكنولوجي الهائل الذي أصابها في مختلف مراحل تطورها، إلا انها بقيت محافظة على شخصيتها التي اكتسبت بها صفة الفن السابع. فبظل مخرجين كبار استطاعت السينما ان تكتسب إيقاع الشعر، وجمال الرواية، وألق التشكيل، وروح الموسيقى. لتجمع بهذا النسيج المتفرد لهذا الفن الذي استطاع أن يغطي بجماله وحضوره قرناً كاملاً من الزمن.
فلم يستطع المخترع مهما بلغ انجازه من ان يحرف السينما من أن تكون حلم الفنان المبدع.. فقد استطاع الفنان أن يطوّع مهارة المخترع ليؤكد فنّية هذا الفن.
الاستبيان الذي أجرته إحدى المؤسسات المتخصصة في أوج النجاح الذي حققه الفيلم الظاهرة (تايتانيك) نهاية التسعينيات والذي لم يشهد له مئة عام من تاريخ هذا الفن والذي اعتبر مرحلة جديدة في مسيرة الفن السابع وحدثاً استثنائياً، وموضوع هذا الاستبيان كان مغامرة بحد ذاته، ذلك انه يتعلق بالمقارنة بين النجاح الذي حققه هذا الفيلم مع فيلم آخر قبل نصف قرن ألهب خيال الملايين. من مشاهديّه وغدا احد أهم الأفلام في تاريخ السينما ذلك هو فيلم (ذهب مع الريح).. وكانت النتيجة بمثابة المفاجأة .. حيث أظهر الاستبيان إن فيلم ذهب مع الريح ما زال في المقدمة.وتكمن المفاجأة إن هذا الاستبيان أجري في وقت النجاح المدوي لفيلم تايتانيك، كما إنه نظم بعد فاصل زمني جاوز أكثر من نصف قرن على إنتاج الفيلم الآخر. وأمر آخر مهم إن هذا الاستبيان استهدف شريحة من الشباب، وهو الجيل الذي لم تسنح له فرصة مشاهدة الفيلم سنة إنتاجه.وعلى الرغم من تماثل موضوعتي الفيلم، فإن دخول المؤثر البصري في صناعة أهم مشاهد فيلم (تايتانيك)، لم توفر للمشاهد القناعة الكاملة بأحداثه، برغم واقعية الحدث التاريخي الذي اعتمده الفيلم كخلفية لقصة الحب التي تضمنها، على عكس ما حصل مع فيلم (ذهب مع الريح).فدخول مؤثرات الكومبيوتر جرافيك في صناعة الأفلام وبشكل واضح في العقود الثلاثة الأخيرة لم يستطع سحب البساط من تحت الأفلام التي اعتمدت مخاطبة أحاسيس ووجدان المشاهد.. فهي رغم الإيرادات العالية التي تحققها إلا انها سرعان ما تخلي مكانتها من ذاكرة المشاهد، ذلك أن رهان صانعيها ينصب على الإبهار والربح السريع، ولعل غياب هذه النوعية من الأفلام عن سوح المنافسات في المهرجانات السينمائية هو أكبر دليل على قصورها في التواصل مع مشاهد السينما الحقيقية.فباستثناء أفلام مثل (فورست غامب) و(تايتانيك)، و(هاري بوتر) و(سيد الخواتم) وهي أفلام لفتت الانتباه لها بسبب حذاقة منفذي مؤثراتها البصرية، فإنه لم يحظ أي من هذه الأفلام وهي كثيرة..بشرف الحضور المهم أو الاستحواذ على جوائز سينمائية مهمة.وبالرغم من طغيان هذه الموجة من الأفلام خلال السنوات الأخيرة والتي ضرب البعض منها أرقاماً قياسية في الشباك.. إلا إنها لم تستطع ان تحجب الضوء عن أفلام قد اعتمدت العناصر التقليدية في صناعتها، ولكن بموضوعات استحوذت على اهتمام جمهور السينما وأيضاً منصات المهرجانات السينمائية المهمة.. ويكفي أن نتذكر انه في غمرة الصعود المدوي لأفلام المؤثرات البصرية، انطلق أحد الاتجاهات السينمائية التي عرفت بـ(دوغما 95) بفضل الرؤية الحالمة لعدد من المخرجين الدنماركيين.. والتي رأى البعض فيها فعل إنقاذ من العاصفة التكنولوجية التي اجتاحت الإنتاج السينمائي..ومع كل ذلك فإن دخول التكنولوجيا الحديثة لا يعني إنه يشكل علامة نكوص في تطور السينما.. بل انه يسهم في دفع هذا التطور إلى الأمام فيما لو اخضع لرؤية السينمائي المبدع.