زينب المشاط
نادي قراءة المدى في بغداد يتابع إقامة جلساته الممنهجة والنصف شهرية، حيث أقام جلسته الثانية صباح يوم الجمعة الفائت على قاعة بيت المدى في شارع المتنبي، وبحضور عدد من الشباب المُحبين للقراءة، في جلسة تحدثت عن اللعبة السياسية الدينية، التي باتت تتخذ في العراق من الدين الاسلامي وسيلة لتمرير الأفكار السياسية، ومن خلال كتاب "الاسلمة السياسية" للكاتب والباحث الاكاديمي د. فارس كمال نظمي، يُمكننا أن نتبين إن الاسلمة في السياسية العراقية لم تكُن وليدة هذه الايام بل جاءت عبر تاريخ العراق السياسي، وهي بالنتيجة وليدة نفسية الفرد العراقي وتوجهه وبيئته الدينية...
موضوعات عديدة يشملها الكتاب الذي نوقش خلال الجلسة الثانية لنادي المدى للقراءة في بغداد، والتي قدمها الصحفي أنور الموسوي، وكان ضيفها دكتور علم الاجتماع د. جاسم عيدي، الذي رشحه الدكتور فارس كمال نظمي للحديث عن الكتاب لعدم قدرة الأخير على الحضور، يتحدث لنا عيدي إن " الكاتب عمل على التمييز بين زمنين الزمن الفيزيقي والزمن الاجتماعي، فالزمن الاجتماعي لا يحدد بالسنوات، وبذلك نتجت لدينا جماعة متنورة ما يستند اليه فارس نظمي هي الابعاد التسامحية الكاملة والتنويرية التي يراهن عليها، حيث يعتقد ان الشخصية العراقية تتلون بين اليسار والتنويرية والدينية المتسامحة والدينية الغير متسامحة."
ويبدو أن نظمي لم يخضع او يستند لنظريات سابقة في طروحاته خلال هذا الكتاب حيث يذكر عيدي قائلاً " إن نظرية نظمي خاصة به في هذا الكتاب وهي تتضمن مراهنته على الزمن الاجتماعي."
في الصفحات الاولى من الكتاب هنالك مقولة مهمة لايريك فروم، تشير الى أن البحث عن التنوير الديني للانسان ما هو إلا حاجة نفسية نحتاجها جميهاً هي قوة تقودنا الى سؤال وجودي، وبهذا يذكر عيدي " إن فارس نظمي افتتح كتابه في بحث الانسان عن اليقين الديني."
أما عن الشخصية العراقية وما تتضمنه من صراعات نفسية يشير عيدي أن " نظمي أشار الى جوهر في الشخصية العراقية ذاكراً إنها ذات نزعة علمانية اجتماعية متجذرة بالشخصية ."
ومن المعروف أن نظمي رجل يساري ماركسي بامتياز لكنه بالتوصيفات النفسية يكون رجل محقق لذاته يبتعد حتى عن ميله الشخصي، وقد اختلف نظمي مع الصفات التي وضعها الوردي لحصد الشخصية العراقية التي أشار لها الوردي الى انها تنشطر بين البداوة والحضر ووجد نظمي أن الشخصية العراقية ذات أوجه متعددة ما بين التنويرية والهدمية والشخصية ذات النزعة العلمانية الاجتماعية ووضع نظمي مساحة اكبر للشخصية العراقية.
أما عن كتابات نظمي فيشير عيدي الى أن " فارس نظمي يبدأ كل مقال له ببنية أدبية إما مقتبسة أو من عندياته، يقدم تحليلاً فكرياً ويعود الى تركيزه السايكولوجي ويختم ببنية الأمل في كتاباته فهو يراهن على الديمقراطية فيما يكتب ومقالته الشهيرة حول الكتلة التاريخية أكبر دليل على أمله الكبير في في هذا المجال، حيث كان لديه نظرة بعدية عن كيف يتواءم الدين مع الشيوعية ولا ننسى أن نظمي هو عراب سائرون."
الجلسة لم تخل من المداخلات، فواحدة من المداخلات قدمها عضو نادي القراءة سلام التميمي ذاكراً " يعدّ هذا الكتاب من الكتب المهمة في مضمونه، حيث يتتبع المسار الذي عاشه العراق، وتضمن هذا الكتاب بحث خاص بالاسلمة السياسية و اجتهد الباحث تتبع المسار التدميري الذي تعرضت له قيم المدنية في العراق"
يذكر التميمي إن " التجربة العراقية اثبتت ان التدين للسطلة والدولة والمجتمع والفرد حيث يضع السلطة في مواجهة الفرد والدولة في مواجهة المجتمع والدين في مواجهة الدين، وتصبح هنا القوة السادية تشرع باسم الاله."
كما أشار التميمي أن "الصراع السياسي في العراق متمثل بالقوة الدينية، حيث طغى الاسلام السياسي على ملامح المشهد العراقي بمفاصله وتفاصيله من خلال تحكم الأحزاب والمراجع الدينية، وهذا يعود للتنسيق المبكر بين الاحزاب قبل الاحتلال وتحالفهم مع بعضهم وتراجع الاحزاب المدنية والايدولوجية وعدم تمكنهم من وضع حلول."
أيضاً قدم أنور الموسوي ورقة خاصة بالكتاب ذكر خلالها " أن نظمي اعطى تشريحاً من خلاله كوّن صورة واضحة عن شخصية الفرد، فالكاتب يعطي رؤية سيسيو ديمغرافية بين الهوية الاسلامية أو الطائفية لتحويل من يقول إن الاسلمة تنقل المسلم من ذاته الاجتماعية المتسامحة الى ذات منغلقة ومتصادمة مع الآخر."
كما أشار الموسوي " أن الكاتب استطاع ان يحدد معالم الشخصية العراقية السياسية، حيث يقول حول ملامح الشخصية السياسية المعولمة انها تخلو من هوية سياسية الى هوية طائفية يفعّل بها شخصيته."
ويجد الكاتب تفسيرات لحالة الارتهان الجمعي المصاحبة للمجتمع العراقي ويجيب المؤلف حول هذا السؤال لماذا نحن سلبيون وخانعون نعرف ادق التفاصيل ولانتوقف ولا نثور لتوقيفها حيث يؤكد الموسوي إن " فارس كمال نظمي كان مبدعاً في هذا الكتاب وطرح أفكاراً ومخرجات مهمة كما قدم توصيفات لأزمات ووضع تفسيرات للواقع العراقي الراهن، وراهن على القوة التسامحية والذهنية المتوقدة للشخصية العراقية."